جدول المحتويات
في خطوة جريئة نحو تحديث عمليات التجارة والجمارك، يستعين العراق بقوة الذكاء الاصطناعي من أجل تبسيط الإجراءات، وزيادة دقتها، وتعزيز أنظمة إدارة المخاطر. وأعلنت الهيئة العامة للجمارك العراقية مؤخرًا عن أتمتة تسعة مراكز جمركية من أصل 21 مركزًا مستهدفًا. بالتزامن مع مبادرة تدريبية كبيرة شملت أكثر من 30% من القوة العاملة لديها، يسير العراق بثبات نحو إحداث ثورة في بنيته الجمركية من خلال تكامل الذكاء الاصطناعي.
أتمتة الجمارك المدفوعة بالذكاء الاصطناعي وتحسين العمليات
لقد حققت الهيئة العامة للجمارك في العراق تقدمًا كبيرًا في أتمتة عملياتها، حيث نفذت تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة لتحديث النظام التقليدي الذي كان يعتمد على الأوراق والإجراءات اليدوية. وكان اعتماد نظام “ASYCUDAWorld”، وهو برنامج لأتمتة الجمارك تدعمه مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، بمثابة نقطة تحول. يعمل هذا النظام على رقمنة عمليات التخليص الجمركي، مما يقلل بشكل كبير من الأخطاء البشرية وفرص الفساد.
وقد بدأت هذه الخطوة تؤتي ثمارها بالفعل؛ حيث شهد العراق، في الفترة بين يناير ومايو 2024، زيادة مذهلة بنسبة 215% في إيرادات الجمارك مقارنةً بالعام السابق. من خلال أتمتة تسعة مراكز جمركية حتى الآن، تسعى العراق إلى تسريع عمليات تخليص البضائع، وتقليل أوقات الانتظار، وتحسين الكفاءة العامة. وتستهدف الحكومة تحقيق الرقمنة الكاملة لكافة المراكز الجمركية الـ21 بحلول نهاية عام 2025.
أنظمة إدارة المخاطر المحسنة بالذكاء الاصطناعي لعمليات الاستيراد
إحدى الجوانب الأكثر ابتكارًا في عملية تحديث الجمارك في العراق هي استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز إدارة المخاطر في عمليات الاستيراد. تقوم خوارزميات التعلم الآلي بتحليل كميات هائلة من البيانات التجارية لتحديد المخاطر المحتملة، مثل التهريب أو الاحتيال، بشكل فوري. وبهذا يستطيع المسؤولون الجمركيون إعطاء الأولوية للتفتيش على الشحنات العالية المخاطر، بينما يتم تسريع التخليص الجمركي للشحنات ذات المخاطر المنخفضة.
تساعد قدرات التحليل التنبئي للذكاء الاصطناعي أيضًا في تحسين تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة. من خلال أتمتة تصنيف البضائع وتطبيق تقييمات مخاطر أكثر ذكاءً، يقلل العراق من التدخل البشري، يقلل من فرص الغش، ويضمن الامتثال للمعايير التجارية الدولية. يمثل هذا خطوة رئيسية ضمن جهود العراق لتعزيز سمعته في مجال التجارة العالمية.
تدريب القوة العاملة ومكافحة الفساد
تقتضي أتمتة العمليات الجمركية ليس فقط الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، بل يتطلب أيضًا وجود عمالة مدربة تمتلك المهارات اللازمة لتشغيل هذه الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. حتى منتصف عام 2024، خضع أكثر من 30% من موظفي الجمارك العراقية لتدريب متخصص، مما زودهم بالمعرفة اللازمة لاستخدام الأنظمة الجديدة بفعالية. وقد قامت الهيئة العامة للجمارك العراقية بالفعل بتدريب 748 موظفًا، من أصل قوة عاملة إجمالية تبلغ 2,400.
الهدف الرئيسي من هذه المبادرة هو تقليل الأخطاء البشرية، والحد من احتمالات الفساد، وتسريع الإجراءات الجمركية. من خلال تقليص السلطة التقديرية للموظفين الأفراد وأتمتة عمليات صنع القرار الرئيسية، يسعى العراق إلى معالجة المشكلات المتجذرة من المحسوبية والخلل الإداري داخل نظامه الجمركي.
الآفاق المستقبلية: شبكة جمركية مؤتمتة بالكامل بحلول 2025
بالنظر إلى المستقبل، فإن رؤية العراق لإنشاء شبكة جمركية مؤتمتة بالكامل تعتبر طموحة لكنها قابلة للتحقيق. تهدف الحكومة إلى استكمال أتمتة جميع المراكز الجمركية بحلول عام 2025، مع خطط لتوسيع نظام “ASYCUDAWorld” ليشمل جميع أنحاء البلاد. سيمكن هذا العراق من إنشاء منصة “نافذة واحدة” متكاملة تربط بين الجهات الحكومية المختلفة المعنية بعمليات التخليص التجاري، مما يسهم في تبسيط الإجراءات وتقليل الروتين الإداري.
لن يسهم تكامل الذكاء الاصطناعي في تعزيز الشفافية والمساءلة فحسب، بل سيحسن أيضًا من تنافسية العراق في التجارة العالمية، وهو أمر حيوي بالنسبة لتعافي البلاد الاقتصادي. يشكل هذا التحديث الشامل للنظام الجمركي في العراق مثالًا يحتذى به للبلدان الأخرى التي تسعى إلى تحديث عملياتها التجارية من خلال الاعتماد على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
إن خطوة العراق الجريئة نحو إدماج الذكاء الاصطناعي في عملياته الجمركية تمثل لحظة حاسمة في مسيرة التحول الرقمي بالبلاد. من خلال أتمتة العمليات، وتحسين إدارة المخاطر، وتدريب الكوادر، يعزز العراق بيئة جمركية أكثر كفاءة وشفافية وأمانًا. ومع استمرار البلاد في تطبيق الحلول المدفوعة بالذكاء الاصطناعي وتوسيع نطاق اعتماد نظام “ASYCUDAWorld”، فإنها ترسخ لنفسها مكانة متقدمة كدولة رائدة ومبتكرة في مجال التجارة العالمية.
لا تعد هذه الخطوة مؤهلة لتحقيق الفوائد الاقتصادية فحسب، مثل زيادة الإيرادات والحد من الفساد، بل إنها تسهم أيضًا في مواءمة العراق مع المعايير الدولية وتيسير علاقاته التجارية مع الشركاء العالميين. ومع اكتمال تكامل الذكاء الاصطناعي والأتمتة بحلول عام 2025، سيكون العراق على موعد مع إعادة تعريف عملياته الجمركية لعقود قادمة.
المصدر: واع