الذكاء الاصطناعي -نظرة شمولية
الجزء (3)
توجهات الذكاء الاصطناعي المستقبلية وتحدياته
توضّح المؤشرات المختلفة بما لا يدع مجالاً للشكّ أن مستقبل الذكاء الاصطناعي كبير، وأنّ الاعتماد عليه سيتزايد يوماً تلو آخر إلى أن يسيطر على جزء كبير من المشهد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في العالم. وفي هذا السياق قال الدكتور كاي فو لي عالم الكمبيوتر ورجل الأعمال : “إن الذكاء الاصطناعي سيغير العالم أكثر من أي شيء في تاريخ البشرية. أكثر مما غيرت الكهرباء”. وهو ما يعطي انطباعاً بأنّ الذكاء الاصطناعي سيؤثر على مستقبل كل صناعة وكل إنسان تقريبًا، وأنه سيستمر كمحرك رئيسي للتقنيات الحديثة مثل البيانات الضخمة والروبوتات وإنترنت الأشياء، وسيستمر في العمل كمبتكر تكنولوجي في المستقبل المنظور.
ومن ناحية إحصائية فإنّ من بين 9100 براءة اختراع حصل عليها مخترعو IBM خلال اخر 3 سنوات كان 1600 اختراع منها (أي ما يقارب 18%) مرتبطا بالذكاء الاصطناعي، ولعلّ ما يختزل الأهمية المستقبلية للذكاء الاصطناعي هي المقولة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأطفال المدارس حيث قال لهم: “إنّ من سيصبح قائدا في هذا المجال (يعني الذكاء الاصطناعي) فسيحكم العام .”
وفي المستقبل القريب، أي بحلول عام 2025، حسبما تتوقع إحصائيات شركة Markets and Markets ، فستصل قيمة سوق الذكاء الاصطناعي إلى 190.61 مليار دولار، بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 36.62٪ خلال فترة التوقعات. وتتمثل الدوافع الرئيسية لسوق الذكاء الاصطناعي في تزايد البيانات الضخمة، والاعتماد المتزايد للتطبيقات والخدمات المستندة إلى الحوسبة السحابية، وزيادة الطلب على المساعدين الافتراضيين الأذكياء.
ووفقًا لأبحاث شركة IDC فسيصل الإنفاق العالمي على الأنظمة المعرفية وأنظمة الذكاء الاصطناعي إلى 57.6 مليار دولار في عام 2021، كما يتوقع حسب هذه الأبحاث أن يستخدم 75٪ من تطبيقات المؤسسات التجارية الذكاء الاصطناعي بأشكاله المختلفة بحلول عام 2021. كما نشرت مجلة فوربس أن الذكاء الاصطناعي سيسمح لحوالي 75% من الشركات بالانتقال إلى أعمال ومشاريع جديدة، وأنه سيمكّن 84٪ من الشركات من الحصول على ميزة تنافسية أو الحفاظ عليها، متوقعة أن تجني الصين أكبر فائدة اقتصادية من الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، تليها أمريكا الشمالية.
وعلى الرغم من الفوائد الجمّة التي يتوقّع أن يجنيها العالم من الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة، إلا أنّ هنالك تحديات كثيرة يتوقع أن تواجهها البشرية مستقبلا بسبب اتساع نطاق انتشاره واستخدامه، ولعلّ أول التحديات يتمثّل في مشكلة فقدان الوظائف التي تهدد عددا كبيرا من الأيدي العاملة مستقبلا، وهي مشكلة أثارتها وتحدث عنها كثير من الدراسات الأكاديمية، والتقارير الدولية، والمقالات المتخصصة. فوفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، ستحل أتمتة الذكاء الاصطناعي محل أكثر من 75 مليون وظيفة بحلول عام 2022، ووفقًا لدراسة جامعة أوكسفورد، فإن أكثر من 47٪ من الوظائف الأمريكية ستكون مهددة بسبب الأتمتة بحلول منتصف عام 2030. كما انه وفقًا لتقرير آخر من شركة ماكنزي يمكن أن تحل روبوتات الذكاء الاصطناعي محل 30٪ من القوة العاملة العالمية الحالية حتى عام 2030. ووفقًا لخبير الذكاء الاصطناعي ورجل الأعمال كاي فو لي فسيتم استبدال 40٪ من الوظائف في العالم بروبوتات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة، وفي هذه الحالة سيكون العمال ذوو الدخل المنخفض والمهارات المنخفضة هم الأكثر تضرراً من هذا الإحلال نظرًا لأن الذكاء الاصطناعي يصبح أكثر ذكاءً يومًا بعد يوم.
ولكن رغم كل التخوف فإنّ بالإمكان معالجة القضايا المتعلقة بفقدان الوظيفة من خلال التركيز على التدابير والاستراتيجيات التالية ومنها: إصلاح نظام التعليم وإعطاء مزيد من التركيز على مهارات مثل التفكير النقدي والإبداع والابتكار حيث يصعب تكرار وبرمجة هذه المهارات. كما يتوجب زيادة الاستثمار العام والخاص في تنمية رأس المال البشري بحيث يتماشى بشكل أفضل مع احتياجات الصناعة وأنماط الحياة المختلفة. كما يتوجب تحسين ظروف سوق العمل من خلال سد فجوة العرض والطلب وخلق الوظائف بما يتناسب مع احتياج السوق.
ومن المشاكل الأخرى التي يتوقع أن تظهر على السطح مشكلة أخطاء حسابات البيانات، وذلك لأن خوارزمية الذكاء الاصطناعي تتضمن تحليل كمية هائلة من البيانات التي تتطلب قدرًا هائلاً من القوة الحسابية. ومع زيادة كمية البيانات وظهور خوارزمية التعلم العميق الأكثر تعقيدًا في الاتجاه السائد، فلن تكون القوة الحسابية الحالية كافية لتلبية المتطلبات المعقدة لذلك سنحتاج إلى مزيد من مساحات التخزين ومزيد من القوة الحاسوبية التي يمكنها التعامل مع الكم الهائل من البيانات.
كما أن هنالك مخاوف من مشاكل السلامة العامة، وذلك بإمكانية قيام الذكاء الاصطناعي بأشياء ضارة للبشرية. وكمثال على ذلك الأسلحة المستقلة (autonomous weapons) التي يمكن برمجتها لقتل البشر الآخرين. لذلك يتوجب أن يكون هنالك لوائح وتعليمات عندما يتعلق الأمر بإنشاء أو تجربة أسلحة مستقلة.
ومن الأمثلة على التحديات المستقبلية أيضا المشاكل التي يتوقع أن تثرها السيارات ذاتية القيادة، إذ يقول العلماء إن هذه السيارات تثير قضايا أخلاقية، وقد يكون لها عواقب غير مقصودة على السلامة العامة والبيئة، ومن هذه المشكلات قرار السيارة الذاتي لحماية المشاة حتى لو كان ذلك يعني التضحية بركابها أو العكس، وهذه تعتبر من المعضلات التي لم يتم البت بها بعد ولها أبعاد ثقافية ودينية.
إنّ من المؤكد أن المشاكل المذكورة أعلاه ليست مستحيلة الحل، ولكنها تتطلب تطورًا سريعًا في التكنولوجيا وكذلك التعاون البشري ووضع التنظيمات التي تتناسب مع العادات والتقاليد والتشريع المتبع. لذلك وعلى الرغم من أننا نسير على الطريق الصحيح فيما يتعلق بالتقدم التكنولوجي، إلا أنه لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه لتطوير المبادئ والمنهجيات والأطر لضمان عدم إساءة استخدام التكنولوجيا القوية مثل الذكاء الاصطناعي، أو إساءة استخدامها مما قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة.
ومما لا شكّ فيه أنّ هناك حاجة لرفع مستوى الوعي بالفرص والتحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، حيث سيكون على المجتمعات أن تبني منهجيات شاملة وواضحة للتعامل مع فرصه تحدياته، ومن النصائح للراغبين بالعمل في مجال الذكاء الاصطناعي كالطلاب والباحثين وريادي الأعمال وغيرهم: الاهتمام بترسيخ المهارات الفنية والمعرفة الواسعة بالبرمجة مثل برمجة Python ، كما يتطلب بناء مهارات قوية في إدارة البيانات، ومعرفة أساسيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي مثل تعلم أساسيات الخوارزميات التي تساعد في حل المشكلات المعقدة. كما يتطلب اكتساب المعرفة في مجال عمل الشخص لمعرفة الجوانب التي تحتاج إلى تطويرها واستخدام الذكاء الاصطناعي بجوانبها المختلفة، كما يتطلب تعزيز المهارات الشخصية كالقدرة على التحدث والتأثير في قادة الأعمال وأصحاب المصلحة الذين قد لا يفهمون الكلمات التقنية المستخدمة، ويتطلّب كذلك الرغبة بالتعلّم المستمر لأن النجاح يأتي فقط لأولئك الذين يحافظون على التعلم باستمرار.
وكخلاصة فإنّ الذكاء الاصطناعي يعد أحد أكثر الاتجاهات تأثيرًا في مختلف المجالات والقطاعات الحيوية، لذلك لابد من الاهتمام والتركيز على أبحاثه وتطبيقاته لتنمية وتطوير كافة الانظمة المختلفة مثل الانظمة الصحية والزراعية والصناعية والتعليمية والخدمية لتقليل التكاليف وتحسين جودة المخرجات مما سيوفر بالتأكيد فرصًا لحياة أفضل وتجاوزًا لكثير من تحديات الأعمال في المستقبل القريب وعلى المدى الطويل.
بقلم المهندس: بلال خالد الحفناوي
متخصص بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي
الجزء الاول من المقال–الجزء الثاني من المقال