جدول المحتويات
في ظل التطورات التكنولوجية السريعة التي يشهدها العالم اليوم، تبدو المخاطر التي قد تنجم عن الاستخدام غير المسؤول لهذه التكنولوجيا أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. ناقش مجلس الأمن الدولي في جلسة حديثة تأثير التطورات العلمية والتكنولوجية على السلم والأمن الدوليين، حيث حذر كبار الخبراء من العواقب الوجودية التي قد تترتب على الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، والتكنولوجيا العصبية. هذا التحذير يأتي في وقت يشهد فيه العالم تسارعاً غير مسبوق في الابتكار التكنولوجي، مما يفرض تحديات جديدة على الحكومات والمؤسسات الدولية لضمان استخدام هذه الأدوات بشكل يساهم في تعزيز الأمن، بدلاً من تقويضه.
الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية: تهديدات وفرص
خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي، قدم الدكتور روبن جيس شرحاً مفصلاً حول التهديدات المحتملة التي قد تنشأ من التقنيات الناشئة، وخاصة الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. وأوضح جيس أن هذه التقنيات، رغم فوائدها الكبيرة، قد تشكل تهديدات وجودية إذا تم استخدامها بشكل غير مسؤول.
الذكاء الاصطناعي العام، على سبيل المثال، يمكن أن يصل إلى مستوى من الذكاء يتجاوز القدرات البشرية، مما يثير مخاوف حول فقدان السيطرة على هذه التكنولوجيا. وأشار جيس إلى أن الحوسبة الكمية، من جهتها، قد تعطل تقنيات التشفير التقليدية وتجعلها غير فعالة، مما يعرض أمن المعلومات والاتصالات للخطر.
هذه التطورات تمثل جانباً مزدوجاً: فهي تفتح آفاقاً جديدة في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم، لكنها في الوقت ذاته قد تؤدي إلى آثار غير مقصودة على الأمن العالمي.
تأثيرات الوجودية المحتملة للتقنيات الناشئة
من بين التحديات التي ركزت عليها الجلسة هي الطبيعة الوجودية لبعض هذه التقنيات، حيث أشار جيس إلى أن تطور الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان القدرة على التحكم فيه، مما قد يخلق مخاطر كبيرة على البشرية.
كما أشار إلى أن التكنولوجيا الكمية ستغير بشكل جذري أنظمة الأمن والمراقبة، حيث يمكن لأجهزة الاستشعار المعتمدة على هذه التكنولوجيا اكتشاف الأجسام تحت الأرض أو تحت الماء، مما سيحدث ثورة في الحرب والاستخبارات. هذه التغييرات قد تؤدي إلى اختلالات كبيرة في ميزان القوى العالمي، مما يستدعي ضرورة التحرك السريع لوضع ضوابط لاستخدام هذه التكنولوجيا.
دور الأمم المتحدة في الاستجابة للتحديات التكنولوجية
ودعا الدكتور جيس مجلس الأمن إلى اتخاذ خطوات عملية للتعامل مع هذه التحديات. من بين المقترحات التي قدمها: إضفاء الطابع المؤسسي على حوارات استشراف الأفق حول التطورات العلمية والتكنولوجية بشكل منتظم.
كما أشار إلى أهمية الاستفادة من خبرات هيئات الأمم المتحدة المختلفة لتقديم إحاطات حول المجالات العلمية والتكنولوجية ذات الأهمية الخاصة. بهذه الطريقة، يمكن للمجلس تعزيز قدرة الأمم المتحدة على منع التهديدات الناشئة حديثاً أو الاستجابة لها بشكل أفضل.
أهمية التعاون الدولي في مواجهة التحديات التكنولوجية
من جهته، أمين عوض، رئيس مجلس المؤسسة في مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن، شدد على ضرورة أن تتحلى الدول الأعضاء بالشجاعة والتبصر لضمان أن تحقق التقنيات الناشئة وعدها بتعزيز السلام والأمن العالميين. وأشار إلى أن التقدم في مجالات مثل التكنولوجيا العصبية، البيولوجيا الاصطناعية، والذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العالم، وأنه يجب استخدام هذه التقنيات لصالح البشرية وليس ضدها.
كما أكدت كاجي ميساكو، سفيرة اليابان للعلوم والتكنولوجيا، على أهمية حوكمة الذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى أن اليابان قادت المناقشات الدولية لضمان أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي آمنة وموثوقة. وأشارت إلى “عملية هيروشيما للذكاء الاصطناعي” التي أطلقتها اليابان في 2023 كأحد المبادرات العالمية الرامية إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي والحد من إساءة استخدامه.
في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، تزداد الحاجة إلى تعاون دولي لضمان أن تستخدم هذه التقنيات بشكل آمن ومسؤول. التحذيرات التي أطلقها الخبراء في جلسة مجلس الأمن تسلط الضوء على ضرورة زيادة الوعي والفهم للتحديات والفرص التي تنطوي عليها هذه التقنيات.
يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع العالم التعاون بشكل فعال لمواجهة هذه التحديات؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد إلى حد كبير مستقبل الأمن البشري والدولي في السنوات القادمة.