جدول المحتويات
وسط مشهد متغير بسرعة للذكاء الاصطناعي، تبرز الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) كرمز للتقدم والابتكار. في اليوم الثالث من قمة الذكاء الاصطناعي العالمية في الرياض، أعلنت سدايا عن سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية تهدف لإدخال المملكة العربية السعودية في عصر جديد من التطور والتميز المعتمد على الذكاء الاصطناعي. تهدف هذه الشراكات إلى تعزيز المواهب الوطنية، تحفيز الأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي، ودمج أحدث التقنيات عبر مختلف القطاعات. تستعرض هذه المقالة تفاصيل هذه الاتفاقيات وتأثيراتها المحتملة على السعودية والمجتمع العالمي للذكاء الاصطناعي.
التقدم في الذكاء الاصطناعي العربي: إطلاق “بلسم”
في خطوة مهمة نحو تعزيز نماذج الذكاء الاصطناعي العربية، أعلنت سدايا بالتعاون مع الأكاديمية العالمية للغة العربية الملك سلمان عن إطلاق مؤشر “بلسم”. يهدف هذا المشروع الرائد إلى تقييم وتحسين نماذج الذكاء الاصطناعي العربية، متماشياً مع التطورات السريعة في معالجة اللغة الطبيعية. يعد مؤشر “بلسم” أداة أساسية لتقييم نضج وفعالية هذه النماذج، وضمان تماشيها مع متطلبات الذكاء الاصطناعي المتزايدة.
منذ إنشائه في عام 2022، تطور مشروع “بلسم” إلى مسعى شامل مدعوم بجمع بيانات مكثف وتطوير نماذج متقدمة. هذا التعاون يؤكد على أهمية صقل النماذج اللغوية العربية، وتسهيل تكامل الإمكانات المتقدمة للذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على التراث اللغوي وتعزيز التقدم التكنولوجي.
كما تبرز جهود سدايا في إعداد قاموس للذكاء الاصطناعي والبيانات باللغتين العربية والإنجليزية التزامها بزيادة الوعي والفهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وسد فجوات المعرفة، وتشجيع الابتكار في المنطقة.
شراكات استراتيجية: تمكين المواهب في الذكاء الاصطناعي
تعد التحالفات الاستراتيجية لسدايا مع قادة التكنولوجيا العالميين مثل هواوي، ريد بُل موبايل، وأوراكل، نقطة تحول في مشهد الذكاء الاصطناعي السعودي. تركز هذه الشراكات على تطوير المواهب والابتكار التكنولوجي، مما يمهد الطريق لمستقبل حافل بالتقدم.
تكتسب الشراكة مع هواوي أهمية خاصة، حيث تهدف إلى تأسيس برنامج تدريب قوي للمهنيين السعوديين، مجهّزينهم بمهارات متقدمة في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. هذه المبادرة لا تعزز جيل القادة التكنولوجيين القادم فحسب، بل تجعل المملكة مركزاً للتميز في الذكاء الاصطناعي.
وبالمثل، تركز الشراكة مع ريد بُل موبايل السعودية على تنظيم ورش عمل متخصصة وجلسات تدريب لتعزيز كفاءات الذكاء الاصطناعي. هذا التبادل المعرفي سيعزز من خبرة الذكاء الاصطناعي ويتيح استكشاف الاتجاهات الناشئة، مما يجعل كلا الكيانين في طليعة التقدم التكنولوجي.
تركز شراكة أوراكل على زيادة الوعي العام وتعزيز المهارات الوطنية في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات. تهدف هذه الشراكة من خلال البرامج والمبادرات المشتركة إلى تقديم تدريب شامل يمنح شهادات مهنية تعد المشاركين لاقتصاد يعتمد على البيانات.
الابتكار الثقافي: دمج التكنولوجيا مع التقليد
تمثل شراكة سدايا مع المعهد الملكي للفنون التقليدية، المعروف باسم “ويرث”، تقاطعاً فريداً بين التكنولوجيا والحفاظ على الثقافة. تهدف هذه الشراكة الاستراتيجية إلى استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الفنون التقليدية، والحفاظ على التراث الثقافي مع تعزيز الإبداع.
من خلال استغلال الذكاء الاصطناعي، يسعى التعاون إلى إحداث ثورة في أرشفة وتوثيق الفنون التقليدية، وضمان حفظها للأجيال المقبلة. تتماشى هذه المبادرة مع الأهداف الثقافية الأوسع للمملكة العربية السعودية، مما يبرز دور التكنولوجيا في تمكين الفنون وتعزيز المشهد الثقافي.
علاوة على ذلك، تبرز هذه الشراكة التزام سدايا بدعم الحرفيين المحليين، وتزويدهم بالأدوات لعرض مواهبهم عالمياً. من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في المبادرات الثقافية، لا تحافظ سدايا على التقليد فحسب، بل تزرع أيضاً بيئة مواتية للابتكار الثقافي والتعبير الإبداعي.
بناء نظام بيئي للذكاء الاصطناعي: التعاون الوطني والدولي
يحظى إنشاء نظام شامل للذكاء الاصطناعي لدى سدايا بأهمية كبيرة في رؤيتها الاستراتيجية، وهو الأمر الذي تجسده المبادرة الوطنية (AI.M) التي أُطلقت خلال القمة. بالتعاون مع برنامج تطوير تقنية المعلومات الوطني، وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST)، تهدف هذه المبادرة إلى بناء إطار عمل قوي للابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي في السعودية.
يركز النهج ثلاثي المحاور للمبادرة على الأبحاث التطبيقية، بناء القدرات، وتأسيس الشركات، مما يوفر أرضية خصبة للحلول المدفوعة بالذكاء الاصطناعي. من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعات العامة والخاصة، المؤسسات الأكاديمية، والشركات الناشئة، تسعى المبادرة إلى تسريع تقدم الذكاء الاصطناعي والتوافق مع أهداف رؤية المملكة 2030.
بالإضافة إلى ذلك، يبرز تأسيس مركز التميز في الذكاء الاصطناعي للتعليم، بشراكة مع وزارة التعليم والجهات التعليمية الأخرى، التزام سدايا بدمج الذكاء الاصطناعي في الأطر التعليمية. يهدف هذا المركز إلى استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز النتائج التعليمية ودعم المعلمين والطلاب من خلال أدوات ومنهجيات مبتكرة.
تشكل الاتفاقيات الاستراتيجية لسدايا خلال قمة الذكاء الاصطناعي العالمية لحظة محورية في رحلة المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي. من خلال تعزيز التعاون مع قادة الصناعة، تعزيز القدرات العربية في الذكاء الاصطناعي، ودمج التكنولوجيا مع المبادرات الثقافية، تمهد سدايا الطريق لمستقبل يتكامل فيه الذكاء الاصطناعي بشكل سلس في كل جوانب المجتمع. تضع هذه الجهود المملكة في موقع القيادة في الابتكار في الذكاء الاصطناعي، مما يساهم في الخطاب العالمي حول القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي. مع تطور هذه المبادرات، تعد بإعادة تشكيل الصناعات، تمكين المجتمعات، وتحفيز التنمية المستدامة داخل المملكة وخارجها.
المصدر: واس