في السنوات الأخيرة، شهد تقاطع الذكاء الاصطناعي والاتصالات الحكومية تحوّلاً جوهريًا في كيفية تفاعل السلطات مع مواطنيها. ومع تكيف الحكومات حول العالم مع التطورات التقنية السريعة، أصبحت دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الاتصال عنصرًا أساسيًا في تعزيز الشفافية، وبناء الثقة، وتشجيع المشاركة العامة الفعالة. كما أكدت النقاشات في منتدى الدولي للاتصال الحكومي الأخير على ضرورة تبني الحكومات للابتكارات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لتبسيط جهودها التواصلية مع جمهورها المتنوع.
تطور الاتصالات في عصر الذكاء الاصطناعي
أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال الاتصالات، حيث أتاح نهجًا مخصصًا بعمق يلبي احتياجات الفئات السكانية المتنوعة. أشارت النقاشات في منتدى لدولي للاتصال الحكومي 2024 إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكّن المؤسسات من تخصيص نشر المعلومات بأخذ عوامل مثل الثقافة، والعمر، واللغة بعين الاعتبار. هذا المستوى من التخصيص يضمن أن الرسائل تلقى صدى أوسع بين مختلف شرائح المجتمع، وبالتالي تحسين فعالية الاتصالات.
كذلك أثنى المتحدثون على التوجه العالمي نحو اعتماد الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتعزيز الاتصالات الحكومية، خاصة في حالات الأزمات. تم الإشارة إلى استجابة الإمارات لجائحة كوفيد-19 كنموذج يحتذى به في التواصل الحكومي الفعّال، مما يظهر كيف يمكن للرسائل الدقيقة والموجهة في الوقت المناسب أن تؤثر بشكل كبير على الرأي والسلوك العام. يخدم هذا المثال كنموذج لباقي الدول الساعية إلى تحسين استراتيجياتها التواصلية في مواجهة التحديات الناشئة.
بناء الثقة من خلال الشفافية والمشاركة
تعتبر الشفافية أساسًا راسخًا في فعالية الاتصال الحكومي. كما أكد محمد المشاريخ، المدير التنفيذي لمكتب الاستثمار الأجنبي المباشر في الشارقة، أن العلاقة بين الحكومات ومواطنيها تتأثر بشدة بوضوح ودقة المعلومات المطروحة. الحكومات التي تعطي الأولوية للمبادرات القائمة على البيانات المفتوحة والتحديثات المنتظمة تعزز مستويات الثقة بين مواطنيها، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة المشاركة المدنية.
تم التأكيد على ضرورة نقل المعلومات بسرعة، خصوصًا في المجتمعات المتعددة الثقافات حيث يمكن أن يشكل تنوع الجمهور تحديًا. يعتبر فهم الفروق الثقافية وتفضيلات الاتصال أمرًا ضروريًا للحكومات للحفاظ على الصلة والفعالية في رسائلها. من خلال استغلال الذكاء الاصطناعي، يمكن للحكومات الوصول السريع للجمهور مع ضمان أن استراتيجيات الاتصال خاصتها تشمل وتحترم الفروق الثقافية.
قياس التأثير وتكييف الاستراتيجيات
مع تطور وسائل الإعلام، تتطور أيضًا المنهجيات المستخدمة لقياس فعالية استراتيجيات الاتصال. وأشار الدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي لشركة “تريندز” للبحوث والاستشارات، إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يسهل فقط توصيل المعلومات بذكاء، بل يعزز أيضًا القدرة على قياس المشاركة وتلقي الملاحظات. هذا النهج المعتمد على البيانات يمكّن الحكومات من تحسين أدوات واستراتيجيات الاتصال باستمرار، لضمان مواكبة احتياجات وتفضيلات الجمهور.
إن أهمية التطوير المتكرر في استراتيجيات الاتصال لا يمكن المبالغة فيها. يتيح القياس المستمر لمستويات المشاركة للمؤسسات تحديد نقاط القوة والضعف في مناهجها، مما يعزز الابتكار في الأدوات والتقنيات المستخدمة. هذا العقلية التكيفية ضرورية للحكومات التي تسعى للحفاظ على الصلة في بيئة الإعلام والتكنولوجيا المتغيرة باستمرار.
التوجه نحو مستقبل الاتصال الحكومي
إن الأثر التحولي للذكاء الاصطناعي على الاتصالات الحكومية ليس مجرد اتجاه، بل يمثل تحولًا أساسيًا في كيفية تفاعل السلطات مع مواطنيها. وكما أشار عاصم جلال، المستشار في العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في الاتصالات يمثل نقطة تحول حاسمة. الحكومات التي تتبنى هذا التحول ستكون في وضع أفضل للتعامل مع تعقيدات الاتصالات الحديثة، مما يعزز في النهاية علاقاتها مع المواطنين.
علاوة على ذلك، فإن استراتيجيات الاتصال الناجحة التي اتبعتها الإمارات خلال الجائحة تعد دراسة حالة للحكومات في جميع أنحاء العالم. النهج الاستباقي والشفاف الذي اتخذته الإمارات يمثل أفضل الممارسات في الاتصالات الحكومية، مما يبيّن فعالية الرسائل الموقوتة والهيكلية الجيدة في الأزمات. يمكن للدول الأخرى الاستفادة من هذه التجربة عند سعيها لتحسين جهودها التواصلية.
الخاتمة: تبني مستقبل الاتصال المعزز بالذكاء الاصطناعي
كما أظهرت مناقشات منتدى لدولي للاتصال الحكومي 2024، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الاتصال الحكومي لا يعد فحسب مجديًا بل ضروريًا لتعزيز مجتمع أكثر انخراطًا ووعيًا. القدرات التي يمتلكها الذكاء الاصطناعي لتخصيص، وقياس، وتحسين جهود الاتصال تمثل قفزة نوعية في كيفية ارتباط الحكومات بجماهيرها.
بالنظر للمستقبل، من الضروري أن تعطي الحكومات الأولوية لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين أطر التواصل. ستساعد الشفافية، واحترام التنوع الثقافي، واعتماد القرارات المستندة إلى البيانات في ضمان أن جهودها ستتجاوب بفعالية مع المجتمعات المتنوعة. من خلال استغلال قوة الذكاء الاصطناعي، يمكن للحكومات بناء علاقات أقوى مع مواطنيها، مما يؤدي في النهاية إلى إنشاء مجتمع أكثر انخراطًا وثقة ومشاركة.
في الختام، فإن التطور الجاري للاتصالات في العصر الرقمي المدفوع بالتقدم في الذكاء الاصطناعي يبرز الحاجة المستمرة للحكومات للتكيف والابتكار. من خلال تبني هذه التغييرات، يمكنها ضمان أنها تظل جهات اتصال فعالة في عالم متزايد التعقيد، مما يمهد الطريق لمستقبل تكون فيه المشاركة العامة ليست مدعومة فحسب بل معززة بشكل ملحوظ.
المصدر: وام