جدول المحتويات
في خطوة جريئة استحوذت على اهتمام عالم الموسيقى ومحبي التكنولوجيا على حدٍ سواء، كشف الملحن والفنان المصري عمرو مصطفى عن مشروع طموح يدمج بين الفن والذكاء الاصطناعي، حيث يستخدم التقنيات الحديثة لإعادة إحياء صوت “العندليب الأسمر”، أسطورة الغناء العربي عبد الحليم حافظ. وبموافقة أسرة حافظ، تهدف الأغنية الوطنية التي تم توليدها بالذكاء الاصطناعي إلى استحضار روح الألحان الكلاسيكية العربية، جامعاً بين التراث الفني والتقنيات الحديثة. جاء هذا الإعلان خلال ندوة “الموسيقى في عصر الذكاء الاصطناعي”، التي عُقدت ضمن فعاليات مهرجان الموسيقى العربية الـ32، حيث ناقش الخبراء مستقبل الموسيقى في ظل التطور الرقمي.
ثورة الذكاء الاصطناعي في إنتاج الموسيقى
شهدت السنوات الأخيرة توسعًا متزايدًا لدور الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات الإبداعية، بما في ذلك مجال إنتاج الموسيقى. إذ لم يعد الذكاء الاصطناعي يقتصر على المساعدة في الهندسة الصوتية، بل تعدى ذلك ليشمل التأليف وإعادة إنتاج الأصوات الشهيرة لأساطير الغناء. ولعمرو مصطفى، الملحن المصري المعروف، تعد هذه التكنولوجيا فرصة لإعادة إحياء أعمال عمالقة الفن العربي. يستخدم مشروعه الذكاء الاصطناعي لتجسيد صوت عبد الحليم حافظ، مما يثبت كيف يمكن للتكنولوجيا الحفاظ على التراث الثقافي ودفع حدود الابتكار الفني.
ومن خلال تعزيزه للأصوات التي يولّدها الذكاء الاصطناعي، يرى مصطفى أن مبادرته ليست مجرّد تجربة فنية وتقنية، بل هي بيان فني. فهو يهدف إلى إعادة إحياء أصوات حقب فنية مضت من خلال أدوات عصرية، مما يتيح للجمهور الاستمتاع بالسحر الكامن في هذه الأعمال الخالدة بطرق جديدة. وعلى الرغم من أن مصطفى سبق له استكشاف الذكاء الاصطناعي في الموسيقى، إلا أن هذا المشروع الذي يعيد فيه تصور أغنية وطنية لشخصية بارزة مثل عبد الحليم حافظ، يعتبر محطة هامة في تقاطع التكنولوجيا والموسيقى العربية.
الذكاء الاصطناعي والمحافظة على التراث الموسيقي
خلال الندوة، شدد مصطفى على أن هدفه هو إعادة تقديم جوهر الموسيقى العربية الكلاسيكية للجمهور الحديث، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة لتحقيق ذلك، وليس بديلاً للفن البشري. وفقًا لمصطفى، فإن جوهر مشروعه لا يقتصر على التكنولوجيا البحتة بقدر ما يتمحور حول الحفاظ على “روحانية” الموسيقى التقليدية، مع تبني أساليب مبتكرة للوصول إلى المستمعين الجدد. وبينما تساءل بعض النقاد عما إذا كان عبد الحليم حافظ أو أم كلثوم سيقبلون بمثل هذه التفسيرات التكنولوجية لأصواتهم، عبّر مصطفى عن قناعته بأن هؤلاء الأيقونات كانوا سيتبنون المستقبل.
وقال مصطفى: “لو كانت أم كلثوم على قيد الحياة، لكانت فخورة بما أقوم به”، رداً على من يعارضون رؤيته ويتهمونه بتجاوز التقاليد الموسيقية. وأوضح أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون جسرًا بين الماضي والمستقبل، حيث يتيح للأجيال الجديدة تقدير فن الموسيقى الكلاسيكية العربية بطرق حديثة ومبتكرة.
التحديات والجدل حول الموسيقى المنتجة بالذكاء الاصطناعي
رغم الحماسة المحيطة بالموسيقى التي يولّدها الذكاء الاصطناعي، تواجه هذه التكنولوجيا بعض التحديات. فعلى الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على تقليد الأصوات البشرية، يرى المنتقدون أنه يفتقر إلى العمق العاطفي الذي يميّز العروض الموسيقية الحيّة. واعترف مصطفى نفسه بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه تعويض الفنانين أو الموسيقيين البشريين بشكل كامل. ومع ذلك، يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر فرصاً فريدة للابتكار في مشهد موسيقي يغمره المحتوى ذو الجودة المنخفضة، لا سيما ما يتم الترويج له على منصات مثل تيك توك.
علاوة على ذلك، واجه مصطفى معارضة من بعض زملائه في صناعة الموسيقى، حيث وصفه البعض بأنه “مثير للمشاكل” بسبب آرائه غير التقليدية وتبنيه للتقنيات الحديثة. وأجاب على هذه الاتهامات قائلاً: “يكرهون صراحتي. يريدون أن يجعلوني منافقًا.” وعلى الرغم من ردود الفعل السلبية، يواصل مصطفى الدفاع عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الموسيقى، معتبراً أنه يوفر وسيلة للتصدي لـ “الضوضاء” المنتشرة في الإنتاجات الحالية منخفضة الجودة، ويقدم بديلاً ذا معنى وأكثر استدامة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في الموسيقى العربية
المستقبل الذي يتصوره مصطفى يرتكز على دور محوري للذكاء الاصطناعي في تطور الموسيقى العربية. ويؤمن بأن الذكاء الاصطناعي لا ينافس الإبداع البشري، بل يعزّزه، ويفتح باباً لآفاق جديدة من التعبير الفني. ومن خلال إعادة إنتاج أصوات عمالقة الموسيقى مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في حفظ تراث الموسيقى العربية، ويعرضه في سياقات جديدة أمام الجمهور العصري.
لكن ما زال السؤال مفتوحًا: هل يمكن للأصوات المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي أن تصل إلى نفس المستويات العاطفية التي تميز نظيراتها البشرية؟ بالنسبة لمصطفى، الجواب يعتمد على كيفية استخدام هذه التقنية بحكمة. وقال: “عندما يُستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة صحيحة، يمكن أن يخدم المستمع. كنت أول من أنشأ أغاني باستخدام الذكاء الاصطناعي، وحقق عملي نجاحًا كبيرًا”، مشيراً إلى الانتقادات التي واجهها في البداية، مقابل الثناء الذي حظيت به مشاريعه مع مرور الوقت.
يمثل مشروع عمرو مصطفى الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي جزءاً من النقاش الأوسع حول دور التكنولوجيا في الفنون. ومع حصوله على موافقة أسرة عبد الحليم حافظ لإعادة إنتاج صوته من خلال الذكاء الاصطناعي، وضع مصطفى سابقة لكيفية استخدام التكنولوجيا لتكريم إرث أيقونات الموسيقى، مع تقديم تجارب جديدة ومبتكرة. يثير عمله أسئلة هامة حول مستقبل الموسيقى في عصر الرقمنة، ولكنه أيضاً يبرز الإمكانات الهائلة التي يمكن أن يحققها الذكاء الاصطناعي كمحفّز للحفاظ على التراث الثقافي وإعادة إحيائه.
ورغم أن البعض قد يرى في الذكاء الاصطناعي تهديداً للموسيقى التقليدية، تثبت الأغنية الوطنية المولدة بالذكاء الاصطناعي لعبد الحليم حافظ أن التكنولوجيا قادرة على تعزيز التعبير الفني. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، سيكون من المثير متابعة كيف سيتجاوز الفنانون مثل مصطفى الحدود التقليدية، ويخلقون مزيجاً متناغماً بين الأصالة والابتكار.