جدول المحتويات
تشهد روسيا تطوراً جديداً يهدف إلى إحداث تغيير جذري في إدارة المدن، حيث شرع علماء من جامعة جنوب الأورال الحكومية (SUSU) في مشروع طموح يجمع بين الذكاء الاصطناعي والمركبات البلدية. تمثل هذه الابتكارات نقلة نوعية في كيفية إدارة المدن لمهامها اليومية مثل تنظيف الشوارع، إزالة الثلوج، والتحكم في حركة المرور، وذلك ضمن جهود أوسع لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات اليومية. يحظى المشروع بدعم مصنع كيرغان للآلات الطرقية، وبتمويل من المركز العلمي والتعليمي بين الأقاليم في الأورال، ويعد بتقليص الأخطاء البشرية وتحسين كفاءة العمليات. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، يمكن لهذا النظام الجديد أن يرسي سابقة لتقنيات المدن الذكية في المستقبل.
ثورة معتمدة على الذكاء الاصطناعي في صيانة المدن
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد روبوتات أو خوارزميات معقدة في مختبرات التكنولوجيا—فهو أصبح جزءاً أساسياً من الحياة الحضرية. في عام 2022، حقق علماء جامعة جنوب الأورال الحكومية (SUSU) قفزة كبيرة من خلال تطوير أول نظام روسي شامل يعتمد على الذكاء الاصطناعي للتحكم في المركبات البلدية. صُمم هذا النظام لأتمتة عمليات مثل كنس الشوارع، إزالة الثلوج وصيانة الطرق، مما يقلل بشكل كبير الاعتماد على المشغلين البشر.
تقليدياً، كانت هذه المهام تتطلب تدخلاً يدويًا وتعتمد على مهارة السائق وحكمه في تحديد الإجراءات اللازمة، مما قد يؤدي إلى تفاوتات في الأداء، خاصة في الظروف غير المتوقعة مثل تغيرات الطقس أو ازدحام الطرق. ومن خلال إدخال الذكاء الاصطناعي، يسعى علماء جامعة جنوب الأورال إلى تبسيط هذه العمليات، وضمان الكفاءة القصوى والاتساق عبر جميع المركبات البلدية.
يعتمد النظام على مزيج من أجهزة الاستشعار والكاميرات وخوارزميات التعلم الآلي لتقييم الظروف الفورية على الطرق. سواء كان الأمر يتعلق بتقدير كمية الثلوج أو ملاحظة مدى نظافة الشارع، فإن الذكاء الاصطناعي سيقوم باتخاذ القرارات بشكل مستقل، مما يعزز جودة وسرعة العمل البلدي.
القضاء على الأخطاء البشرية في العمليات التقنية
إحدى الدوافع الرئيسية وراء هذا المشروع هي الرغبة في تقليل الأخطاء البشرية. بناءً على تصريحات أندريه مارتانوف، أستاذ مشارك في قسم محطات وشبكات الطاقة الكهربائية بالجامعة، فإن الطريقة الحالية لتنظيف وصيانة شوارع المدينة تعتمد بشكل كبير على خبرة وتركيز السائق، مما يؤدي غالباً إلى عدم الكفاءة، لا سيما في الحالات المعقدة التي تتطلب قرارات سريعة.
سيقوم نظام الذكاء الاصطناعي، الذي يتم تطويره حالياً، بتعديل عمليات المركبات تلقائيًا بناءً على البيانات الفورية. على سبيل المثال، عند تشغيل مركبة إزالة الثلوج، سيقوم الذكاء الاصطناعي بتقييم كمية الثلوج وتعديل ارتفاع الشاحنة وفقاً لذلك. وبالمثل، إذا اكتشف جهاز تنظيف الشوارع مستوى منخفضاً من الأوساخ أو البقايا، فسيقلل من استهلاك المياه غير الضروري، مما يساهم في الحفاظ على الموارد.
لن يؤدي هذا النظام فقط إلى تحسين جودة الصيانة، بل سيقلل أيضًا من عبء العمل البشري، حيث يمكن للمشغلين التركيز على مراقبة المهام بدلاً من القيام بها يدوياً. يساعد إدخال الذكاء الاصطناعي في هذه العمليات في القضاء على التكهنات التي تشوب العمليات البلدية الحالية، مما يضمن تنفيذ المهام بدقة وكفاءة.
مركبات تعتمد على الذكاء الاصطناعي: لمحة عن المستقبل
النظام القائم على الذكاء الاصطناعي الذي طوره علماء جامعة جنوب الأورال ليس مجرد وحدة تحكم للمعدات الحالية؛ بل هو منصة ذكية متعددة الأوجه قابلة للتكيف مع أنواع مختلفة من المركبات البلدية. وكما يشير راميل زاكيزوف، مدير معهد الهندسة الميكانيكية التجريبية في الجامعة، فإن النظام يهدف إلى التوسع حيث يمكن دمج الذكاء الاصطناعي في مجموعة متنوعة من المركبات البلدية—من سيارات تنظيف الشوارع إلى شاحنات إزالة الثلوج—كما يمكن تعديل ميزاته بناءً على احتياجات كل مهمة.
يعتمد النظام على تكنولوجيا التعرف على الصور المتقدمة لمراقبة حالة الطرق والطقس وحركة المرور. كما يجمع بيانات من مصادر متعددة، بما في ذلك الكاميرات وأجهزة الاستشعار البيئية، بهدف اتخاذ قرارات في الوقت الحقيقي. على سبيل المثال، إذا اكتشف النظام شارعاً غارقاً بالمياه، فسيقوم تلقائيًا بضبط ضغط المياه لمركبة التنظيف أو تغيير مسار المرور حسب الحاجة. هذا المستوى من الاستقلالية لن يجعل الأعمال البلدية أكثر كفاءة فحسب، بل يمكن أن يمهد الطريق لتطبيقات مستقبلية في السيارات ذاتية القيادة والبنية التحتية للمدن الذكية.
وفقًا للعلماء في جامعة جنوب الأورال، من المتوقع أن يكون النموذج الأولي لهذا النظام القائم على الذكاء الاصطناعي جاهزاً بحلول أوائل عام 2025، مع إجراء الاختبارات الصناعية في مصنع كيرغان للآلات الطرقية. وتتمثل الرؤية طويلة المدى في إنشاء شبكة موحدة من المركبات البلدية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي يمكنها التعاون في الوقت الحقيقي، وتنفيذ مهام متعددة بشكل متزامن لتحقيق أقصى كفاءة.
الذكاء الاصطناعي ومدن المستقبل الذكية
على الرغم من أن التركيز الحالي لهذا المشروع يتمثل في تحسين عمليات المركبات البلدية، إلا أن تداعياته تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك. حيث يمكن للتكنولوجيا المطورة أن تلعب دوراً حيوياً في تطور المدن الذكية. مع انتشار شبكات الجيل الخامس (5G) وإنترنت الأشياء (IoT)، يمكن دمج المركبات البلدية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في نظام أوسع مترابط يدير خدمات المدينة مثل التحكم في حركة المرور، استهلاك الطاقة والسلامة العامة.
فعلى سبيل المثال، يمكن للنظام القائم على الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالتحديات المستقبلية استنادًا إلى تنبؤات الطقس، مثل العواصف الثلجية، وإرسال تنبيهات استباقية إلى المركبات القريبة والسلطات المحلية. سيتيح هذا النهج التنبئي في صيانة المدن الحد من الازدحام المروري وتحسين جودة الحياة الحضرية بشكل عام.
يمكن أن يساعد هذا النوع من التحليل التنبئي، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، في جعل المدن أكثر كفاءة، وتوفير رؤى حول تخصيص الموارد وظروف البيئة وحتى الصحة العامة. إن إمكانيات الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل البيئة الحضرية هائلة، والمشروع الذي يقوم به علماء جامعة جنوب الأورال هو مجرد مثال على كيفية تسخير الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة واستدامة العمليات الحضرية.
تمثل المركبات البلدية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التي يتم تطويرها من قبل جامعة جنوب الأورال الحكومية خطوة هامة إلى الأمام في دمج التكنولوجيا المتقدمة في الحياة الحضرية اليومية. من خلال أتمتة المهام الأساسية مثل تنظيف الشوارع وإزالة الثلوج، فإن هذا الابتكار يعد بتحسين الكفاءة، تقليل الأخطاء البشرية والمحافظة على الموارد. علاوة على ذلك، ومع إمكانيات هذه الأنظمة للعمل بالتعاون بين المركبات المتعددة والاندماج مع تقنيات المدن الذكية الواسعة، تصبح إدارة المدينة في المستقبل أكثر ذكاءً وترابطًا.
وبينما يواصل العالم تبني الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، فإن العمل الذي يقوم به علماء جامعة جنوب الأورال يعد دليلاً على القدرة التحويلية لهذه التقنيات. من خلال القضاء على الأخطاء البشرية وتحسين العمليات، فإن الذكاء الاصطناعي لا يحسن حياتنا فحسب، بل يعيد تعريف نسيج مدننا. مستقبل الخدمات البلدية ذكي، استباقي وذاتي العمل—وهذا مجرد البداية.