جدول المحتويات
يشهد العالم العربي نهضة تكنولوجية، مع تقدم ملحوظ للدول مثل السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر، الأردن، قطر، وغيرها في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) والتحول الرقمي. ومع احتدام المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، أدركت هذه الدول الحاجة إلى بناء منظومات متقدمة للذكاء الاصطناعي لتحقيق النمو الاقتصادي، وتشجيع الابتكار، وتحسين الخدمات العامة. من خلال استثمارات ضخمة، خطط وطنية استراتيجية، وتعاون مع شركات التكنولوجيا العالمية، تعمل الدول العربية على وضع نفسها كأعضاء مؤثرين في خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية. تستعرض هذه المقالة أبرز المبادرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في الدول العربية الرائدة وجهودها في هذا المجال المتنامي.
الريادة السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي: رؤية 2030 وما بعدها
التركيز على الاستثمار
تطمح السعودية إلى أن تكون رائدة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، مدفوعة خصوصًا بمبادرة رؤية 2030، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط والتركيز على التكنولوجيا والابتكار. تضخ المملكة مليارات الدولارات في أبحاث وتحسين الذكاء الاصطناعي، مع التركيز بشكل خاص على قطاعات مثل الرعاية الصحية، التعليم، الطاقة، والمدن الذكية. يُعتبر الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في اقتصاد المملكة المستقبلي، حيث تسعى الحكومة إلى أن يساهم الذكاء الاصطناعي بنسبة 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
المبادرات الرئيسية
من أبرز المبادرات في المملكة هو تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) في عام 2019، والتي تهدف إلى الإشراف على دمج الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات. تعمل سدايا بالتعاون مع شركات تقنية عالمية مثل IBM وHuawei لتعزيز القدرات الذكائية في الرعاية الصحية، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين تقنيات التشخيص وخطط العلاج، وفي قطاع الطاقة حيث تساعد الحلول المستندة إلى الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاج النفط وتقليل الانبعاثات الكربونية.
كما تعتبر السعودية موطنًا لمشروع “نيوم” العملاق، المدينة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي تهدف إلى أن تكون مركزًا للابتكار في التقنيات الناشئة. وستستفيد نيوم من الذكاء الاصطناعي في كل شيء من النقل الذاتي إلى الأنظمة الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يعزز مكانة المشروع كقائد عالمي في مجال المدن الذكية.
التطورات الأخيرة
استضافت السعودية مؤخرًا قمة الذكاء الاصطناعي العالمية، التي شهدت مشاركة أكثر من 10,000 خبير من جميع أنحاء العالم، مما يبرز التزام المملكة بتعزيز التعاون الدولي في مجال أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي. كما أعلنت البلاد عن إطار عمل أخلاقي للذكاء الاصطناعي، يشدد على الاستخدام المسؤول والشفاف للتقنيات الذكائية.
التحديات والتطلعات المستقبلية
رغم طموحاتها، تواجه السعودية تحديات في تطوير الكفاءات المحلية في مجال الذكاء الاصطناعي. وللتصدي لذلك، أبرمت الحكومة شراكات مع جامعات دولية لتقديم منح دراسية وبرامج تدريب تهدف إلى بناء قوة عمل ماهرة في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع استمرار الاستثمار في هذا المجال، من المتوقع أن تصبح المملكة لاعبًا رئيسيًا في السوق العالمية للذكاء الاصطناعي، حيث تقدم حلولًا مبتكرة عبر قطاعات متعددة.
الإمارات: الريادة في الذكاء الاصطناعي من خلال استراتيجية وطنية
التركيز على الاستثمار
جعلت الإمارات من الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية، حيث أطلقت استراتيجية الإمارات الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031. تهدف هذه الاستراتيجية إلى وضع الإمارات كمنصة عالمية للابتكار في الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على قطاعات مثل الرعاية الصحية، التعليم، اللوجستيات، والنقل. وقد جذبت الإمارات الاهتمام العالمي بفضل نهجها الاستشرافي، من خلال إنشاء أول وزارة للذكاء الاصطناعي في العالم عام 2017، للإشراف على دمج الذكاء الاصطناعي عبر القطاعات الحكومية والخاصة.
المبادرات الرئيسية
دبي هي في طليعة ثورة الذكاء الاصطناعي في الإمارات، وخاصة من خلال مبادرة مدينة دبي الذكية. يعتمد الذكاء الاصطناعي بشكل واسع في البنية التحتية للمدينة، بما في ذلك أنظمة إدارة المرور المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تقلل الازدحام وتحسن السلامة العامة. كما طبقت الإمارات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، حيث تحسن أنظمة الذكاء الاصطناعي تشخيص المرضى والعناية بهم في المستشفيات. مشاريع مثل التطبيق المعزز بالذكاء الاصطناعي “جيس” الذي يدعم التواصل باللغتين العربية والإنجليزية، تعكس التزام الإمارات بجعل الذكاء الاصطناعي متاحًا وملموسًا لمواطنيها.
وتعتبر الإمارات أيضًا موطنًا لشركة G42 الرائدة في مجال التكنولوجيا، والتي تركز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، الطاقة، والنقل الذاتي. ساهمت شراكات G42 مع شركات عالمية مثل Microsoft وIBM في تحقيق حلول متقدمة في الذكاء الاصطناعي، في مجالات مثل الجينوميات والاستجابات للجائحات.
التطورات الأخيرة
أعلنت الإمارات في أوائل 2023 عن استثمار قدره 500 مليون دولار في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي، مع توقعات بأن يبلغ حجم هذا القطاع 118.6 مليار دولار بحلول 2025. كما أطلقت الحكومة عدة معسكرات تدريبية لتعزيز قدرات الجيل القادم من المحترفين في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يضمن تجهيز القوة العاملة بالمهارات اللازمة للتفوق في هذا المجال.
التحديات والتطلعات المستقبلية
رغم التقدم الكبير، تواجه الإمارات تحديات في موازنة التسارع في اعتماد الذكاء الاصطناعي مع الاعتبارات الأخلاقية. تعمل الحكومة بشكل نشط على إنشاء أطر حوكمة لضمان الاستخدام المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في المجالات الحساسة مثل الرعاية الصحية والأمن. ومع ذلك، فإن الاستراتيجية الشاملة للإمارات والاستثمارات القوية في الذكاء الاصطناعي تشير إلى أن البلاد ستظل رائدة عالميًا في مجال الابتكار في هذا المجال لسنوات قادمة.
مصر: الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة
التركيز على الاستثمار
برزت مصر كواحدة من الدول الرئيسية في مشهد الذكاء الاصطناعي العربي، مع تركيز استراتيجي على استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم أهداف التنمية المستدامة. أطلقت الحكومة المصرية استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي في عام 2019، بهدف دمج الذكاء الاصطناعي في قطاعات مثل الزراعة، الرعاية الصحية، والتنمية الحضرية. تدعم طموحات مصر في الذكاء الاصطناعي عبر الكفاءات الوطنية الواسعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول الواعدة في المنطقة من حيث تنمية مواهب الذكاء الاصطناعي.
المبادرات الرئيسية
بالتعاون مع إيطاليا، تعمل مصر على إقامة مركز للذكاء الاصطناعي في القاهرة، والذي سيركز على بناء القدرات المحلية في هذا المجال وتعزيز الابتكار. يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في زيادة الإنتاجية الزراعية من خلال تقنيات الزراعة الذكية التي توفر للمزارعين بيانات حيوية حول المناخ وظروف التربة. في الوقت نفسه، تساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، مثل التحليلات التنبؤية، في تحسين نتائج المرضى وتقليل التكاليف.
تستغل مصر أيضًا الذكاء الاصطناعي لتطوير حلول المدن الذكية كجزء من مبادرات التنمية الحضرية الأكبر. ستستفيد العاصمة المصرية، القاهرة، من أنظمة إدارة المرور المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتحسين الخدمات العامة، مما يعزز جهود البلاد نحو التحول إلى مدينة ذكية.
التطورات الأخيرة
تعتبر مصر أول دولة عربية وأفريقية تتبنى مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول، مما يعكس التزامها بالاستخدام الأخلاقي للتقنيات. علاوة على ذلك، تأسست جامعة المعلوماتية في مصر عام 2021، والتي تقدم برامج متخصصة تهدف إلى تدريب الطلاب في مجالات الذكاء الاصطناعي والحقول ذات الصلة، مما يضمن تدفقًا مستمرًا من المهنيين ذوي المهارات العالية.
التحديات وآفاق المستقبل
على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته مصر في مجال الذكاء الاصطناعي، لا تزال تواجه تحديات في توسيع نطاق مبادراتها، خاصة في المناطق الريفية. ومع ذلك، فإن تركيز الحكومة على بناء القدرات والشراكات الدولية يساعد على معالجة هذه التحديات. ومع استمرار دمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد المصري، فمن المتوقع أن تلعب البلاد دورًا محوريًا في مشهد الذكاء الاصطناعي في المنطقة.
قطر: الذكاء الاصطناعي من أجل البحث والابتكار
التركيز على الاستثمار
تعد قطر واحدة من الدول العربية التي تستثمر بشكل كبير في الذكاء الاصطناعي، مع تركيز خاص على البحث والابتكار. وتؤكد الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في قطر على استخدام هذه التقنية لتعزيز النمو الاقتصادي في قطاعات رئيسية مثل التعليم والرعاية الصحية والطاقة. وقد وضعت قطر نفسها كمركز للبحث في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة من خلال مؤسسات مثل معهد قطر لبحوث الحوسبة (QCRI).
المبادرات الرئيسية
يعد معهد قطر لبحوث الحوسبة (QCRI) في طليعة جهود الدولة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يجرى أبحاثًا في مجالات مثل معالجة اللغة العربية وتحليل البيانات. كما يتم دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة الرعاية الصحية في قطر، حيث تُستخدم التحليلات التنبؤية لتحسين رعاية المرضى ونتائج العلاج. بالإضافة لذلك، تعكف قطر على إنشاء “منتزه الذكاء الاصطناعي”، الذي يهدف لدعم الشركات الناشئة وتعزيز التعاون بين القطاعين الأكاديمي والصناعي والحكومة.
ومن بين المبادرات الرئيسية الأخرى “اتحاد الذكاء الاصطناعي في قطر” الذي يهدف إلى تعزيز الشراكات بين أصحاب المصلحة لتسريع تبني الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. ومن خلال تعزيز التعاون بين الشركات المحلية وشركات التكنولوجيا العالمية، تضمن قطر حفاظها على قدرتها التنافسية في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.
التطورات الأخيرة
في عام 2023، أعلنت قطر عن خطط للاستثمار بشكل مكثف في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تطوير المدن الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وتطبيق هذه التقنية في الخدمات العامة. كما استضافت الدولة عدة مؤتمرات دولية حول الذكاء الاصطناعي، مما يعزز تبادل المعرفة والتعاون مع قادة العالم في هذا المجال.
التحديات وآفاق المستقبل
تشكل قلة عدد السكان في قطر تحديًا فريدًا فيما يتعلق بتطوير قوة عمل كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن تركيز الدولة على البحث واستعدادها للتعاون مع شركاء دوليين يجعلها في موقع جيد لتجاوز هذه التحديات. ومع استمرار قطر في الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في مجال البحث والابتكار القائمين على الذكاء الاصطناعي في المنطقة.
مع استمرار الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الصناعات والاقتصادات على مستوى العالم، أدركت الدول العربية الإمكانات التحويلية لهذه التكنولوجيا. وتقوم دول مثل السعودية والإمارات ومصر وقطر بدور ريادي من خلال استثمارات مالية كبيرة في الذكاء الاصطناعي وتوجيه بيئة تعزز الابتكار والبحث والتطوير. ومن خلال خطط وطنية استراتيجية للذكاء الاصطناعي، وشراكات دولية، والتركيز على بناء المواهب المحلية، تهدف هذه الدول إلى وضع نفسها كقادة ناشئين في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.
ورغم استمرار بعض التحديات—مثل الحاجة إلى المزيد من المواهب المحلية وحوكمة أخلاقية للذكاء الاصطناعي—فإن الدول العربية في طريقها لأن تصبح جهات فاعلة رئيسية في مستقبل الذكاء الاصطناعي. ومع اشتداد المنافسة العالمية للسيطرة في مجال الذكاء الاصطناعي، سيضمن التزام العالم العربي بالابتكار والتعاون والاستخدام المسؤول للتكنولوجيا مكانه في طليعة هذه الثورة التقنية.