أطلق المنتدى الاستراتيجي الأردني وثيقة سياسية بعنوان “التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: فرصة الأردن لتعزيز الإنتاجية” للإشارة إلى أهم الأفكار المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتأثيره على مستقبل العمل. وأيضًا لبيان مدى استعداد الأردن لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، استنادًا إلى نتائج تقرير جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2023. كما تضمنت الورقة عدة مقترحات لرفع مستوى إنتاجية الأردن عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي.
ذكر المنتدى في تقريره بأن اعتماد أسلوب الذكاء الاصطناعي في تحسين البنية التنظيمية للأعمال سيعزز من سرعة تطبيق المشاريع الرئيسية للخدمات المستقبلية وفقًا للرؤية المنشودة للتحديث الاقتصادي. كما سيُسهم في إحراز تقدم في المبادرات الخاصة بعناصر الخدمات الحكومية وإجراءاتها وعمليات التحول الرقمي ضمن خطة تجديد وتطوير القطاع العام.
كشفت الدراسة أوجه الترابط بين “التحول الرقمي” و”الذكاء الاصطناعي”، إذ يدل المصطلح الأول على استخدام التقنيات لإحداث تطوير وتحسين في أساليب العمل داخل الهيئات، بتطبيق تكنولوجيا حديثة وعمليات وأساليب تجارية طموحة تعزز الفعالية وتزيد من مستويات الإنتاج. فيما يعتبر مفهوم الذكاء الاصطناعي ذراعًا متخصصًا ضمن التحول الرقمي، يشمل توظيف الآلات المتقدمة التي تمتلك القدرة على التعلم، والاستنتاج، وتأدية المهمات التي تحتاج عادة لذكاء الإنسان.
في هذه الورقة السياسية، أجرى المنتدى دراسة متأنية للورقة البحثية التي أصدرها صندوق النقد الدولي في العام 2024 تحت عنوان “الذكاء الاصطناعي ومستقبل العمل، 2024”. وقد تطرقت الدراسة إلى تقييم الآثار التي قد يتركها الذكاء الاصطناعي على الأسواق العالمية في ميدان العمل.
ناقش المنتدى الاكتشافات البارزة المستخلصة من هذه الدراسة، والتي تفيد بتوقعات تأثير الذكاء الاصطناعي على ما يقرب من 40% من الوظائف حول العالم، حيث من الممكن أن يحل محل بعضها ويعمل على دعم البعض الآخر. هذا يستدعي القيام بتوازن بين السياسات المتعلقة بالتوظيف وتلك المتعلقة باعتماد التكنولوجيا بهدف جلب الفائدة للمجتمع. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تؤثر نسبة الوظائف التي يمسها الذكاء الاصطناعي في الاقتصادات المتطورة بمعدل يصل إلى 60%. يُرجّح أن يكون لهذا التأثير وقع إيجابي على نصفها عبر دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات، مما يزيد من إنتاجية الموظفين. أما في الأسواق الناشئة، فمن المتوقع أن تتأثر الوظائف بنسبة تقارب 40%، في حين أن البلدان ذات الدخل المحدود قد تواجه تأثيرا على الوظائف بنسبة تقريبية تعادل 26%.
عرضت الدراسة نتائج مؤشر جاهزية الحكومات لعام 2023 للذكاء الاصطناعي، الذي يسعى إلى تحديد مستوى استعداد حكومات 193 دولة تم تغطيتها في التقرير للتعاطي مع الذكاء الاصطناعي. تم تقييم ذلك استنادًا إلى ثلاثة عناصر أساسية: الحكومة نفسها، القطاع التكنولوجي، وكذلك البنية التحتية وموارد البيانات.
أظهرت نتائج الدراسة المستوى العالمي أن الولايات المتحدة الأمريكية جاءت في مقدمة الدول المشمولة بالتقرير، يليها سنغافورة وبريطانيا وفنلندا وكندا على الترتيب.
على صعيد الإطار الإقليمي، احتلت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مراكز الصدارة الأربعة الأولى ضمن القائمة التي تضم الدول العربية المشاركة؛ حيث تصدرت دولة الإمارات القائمة، تليها المملكة العربية السعودية ثم دولة قطر وسلطنة عُمان بالتسلسل، وجاءت المملكة الأردنية الهاشمية في المركز الخامس على المستوى العربي.
أشارت النتائج التي ظهرت في الورقة البحثية إلى أن مستوى تقدم الدول العربية على مؤشر الأداء شهد تحسناً معتدلاً. حيث تبين أن 11 دولة عربية، بما فيهم الأردن، قد حظيت بمكانة ضمن أعلى 50% من الدول المؤدية في تقرير العام 2023، مقارنة بـ 9 دول فقط كانت ضمن الفئة نفسها في العام 2020.
على المستوى الأردني، ذكر المنتدى أن هناك تطورًا واضحًا قد تحقق في السنوات الأربع الأخيرة بفضل اعتماد الأردن للسياسات والتكنولوجيا الخاصة بالذكاء الاصطناعي في العديد من القطاعات. هذا التطور انعكس إيجابيًا على مستوى الأداء الأردني ضمن مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي، إذ سجل الأردن تقدمًا في تقرير العام 2023 بزيادة قدرها 5.1 نقاط مقارنة بالعام 2022، وقد وضع ذلك الأردن في المركز الخامس والخمسون من بين 193 دولة.
دلت النتائج على أن الأردن قد تجاوز المعدل العام لأداء الدول في تقريري العامين 2022 و2023، وذلك بعد أن كان مستوى أدائه دون الوسط في العامين 2020 و2021. فقد شهد الأردن تحسنًا بارزًا خلال الأربع سنوات الأخيرة، إذ ارتقى 24 مركزًا بين العامين 2020 و2023. وبذلك قد انضم إلى رتبة أفضل 30% من الدول المشاركة من حيث الأداء.
تمكن الأردن من احتلال المركز الخامس بين الدول العربية خلال عام 2023، متفوقًا على كل من البحرين، والكويت، ومصر، وتونس، مقارنةً بكونه في المركز التاسع في العام 2020. وبذلك، تخطى الأردن المعدل العربي العام فيما يخص الأداء استنادًا إلى التقرير الصادر لعام 2023، متجاوزا موقعه الذي كان أدنى من المعدل في تقرير العام 2020.
عند إجراء مقارنات بين الأردن ودول أخرى ذات دخل متوسط الى منخفض، تبين أن الأردن حقق المركز الثاني بعد الهند في الأداء، كما تجاوز معدل الأداء العام لتلك الدول بفارق يصل إلى 20.5 نقطة.
أشار المنتدى في وثيقته إلى أن التطور الذي حققه الأردن في التصنيف للعام 2023 يرجع إلى التحسن الكبير الذي أنجزه في مجالي “البنية التحتية والبيانات”، و”قطاع التكنولوجيا”، حيث ارتفع بمقدار 10.8 نقاط، و4.4 نقاط على الترتيب مقارنةً بالعام الذي يسبقه. في المقابل، ظل الأردن يحافظ على مستواه تقريباً في المجال الثالث وهو “الحكومة”، مع العلم أن النتائج في هذا المجال هي الأفضل بين المجالات الثلاثة من حيث الإجمالي الكلي للنقاط البالغة 67.6 نقطة.
لفت المنتدى النظر إلى أن قطاع “الحكومة” قد شهد أكبر تقدم بالمقارنة مع القطاعات الأخرى خلال الأربع سنوات المنصرمة، إذ ارتفع بمجموع 32.4 نقطة من عام 2020 وحتى العام 2023. ويُعزى هذا التطور إلى تحسن الأداء في ثلاثة أبعاد رئيسية ضمن ذلك القطاع، وهي: البُعد المتعلق ب”الرؤية” على إثر إطلاق “الاستراتيجية الأردنية للذكاء الصناعي وخطة العمل للفترة 2023-2027″، إلى جانب البُعدين المرتبطين ب”الحوكمة والأخلاقيات” و”المهارات الرقمية”.
قام منتدى الاستراتيجيات في الأردن بعمل تحليل مقارن لأداء الأردن في المؤشرات المختلفة مقابل أداء الدول الأفضل في المنطقة (مثل الإمارات) وكذلك الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض (كالهند)، بهدف تحديد نقاط القوة والضعف في أداء الأردن. وقد سعى المنتدى من خلال هذا التحليل إلى صياغة توصيات عملية تساهم في الارتقاء بترتيب الأردن في تلك المؤشرات.
أشارت نتائج الدراسة إلى أن الأردن قد حقق نتائج إيجابية في جملة من المجالات، والتي تشمل استراتيجية الذكاء الاصطناعي، ومعايير الأخلاقيات، والمدة الزمنية اللازمة لمعالجة التشريعات الحكومية، وعدد الخريجات في ميادين العلوم والتكنولوجيا، فضلاً عن توسعة بنية الشبكة من الجيل الخامس، وتقليص الفارق القائم بين الجنسين في مدى الاستفادة من خدمات الإنترنت.
على النقيض من ذلك، شهد الأردن أداءً متواضعًا في عدة مؤشرات تشمل: حث الحكومة على الاستثمار في التكنولوجيات الصاعدة، وحجم تداول خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مستوى الفرد، والقيمة الإجمالية لتجارة السلع التكنولوجية بالنسبة للفرد، إلى جانب مستوى المهارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتطور البنية التحتية للاتصالات، ومعدل انتشار الهواتف المحمولة.
اختتم المنتدى ورقته الخاصة بالسياسات بتقديم مجموعة توصيات من شأنها دعم الأردن في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكفاءة، وتعزيز موقعه في المؤشرات الدولية ذات الصلة بذلك المجال. وشملت هذه التوصيات تحسين إمكانية الوصول إلى خدمات الاتصالات والانترنت السريع والموثوق على نطاق واسع داخل المملكة، شاملاً جميع المناطق وأطياف المجتمع بتكاليف مناسبة، بهدف دفع عجلة التطور المحلي، والشمول الرقمي، والارتقاء بالإنتاجية. ومن المتوقع أن تسفر هذه التحسينات عن نتائج إيجابية تتمثل في زيادة فرص العمل وتحسين المستوى الوظيفي.
أكد المنتدى على أهمية إجراء تقييمات دورية لمعرفة إلى أي مدى تكون المؤسسات الحكومية والخاصة مجهزة لاستقبال ودمج التكنولوجيا الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي ضمن عملياتها الإنتاجية. كما شدد على ضرورة استخدام نتائج هذه التقييمات في صياغة سياسات عامة فعالة تجمع بين دعم التقدم التقني وتطبيقه من جهة، وتعزيز النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي من جهة أخرى.
طالب الملتقى بأهمية الشروع في تنظيم حملات للتثقيف وإقامة ورش للتدريب تتناول مبادئ الذكاء الاصطناعي، وضرورة دمجه ضمن العمليات الإنتاجية. كما أكد على الحاجة إلى اعتماد المعايير الأخلاقية والقوانين والاحتياطات الأمنية اللازمة لضبط استخدامه.
أشار المنتدى إلى ضرورة تضمين تقنيات الذكاء الصناعي ضمن المناهج التعليمية من المستويات الابتدائية وحتى الجامعية، بغية خلق أجيال قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل بكفاءة عالية. كما لفت النظر إلى أهمية دعم الاستثمار في قطاع البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات وفي مجال الذكاء الصناعي الحديث. وحث على بذل جهود لجذب الشركات الكبرى الرائدة في هذه الصناعة للعمل على المستوى المحلي.
أشار المنتدى إلى أهمية دعم البحث العلمي والتقنيات التطبيقية المرتبطة بمجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، ودعا إلى تحفيز تأسيس الشراكات بين الجامعات على الصعيدين المحلي والدولي؛ لوضع الأبحاث والمناهج العلمية الخاصة بتلك المجالات. ولفت النظر إلى أهمية إقامة صلات بين الشركات العاملة في المجالات الصناعية والتكنولوجية، وذلك بهدف توجيه الدراسات والأبحاث نحو تعزيز العملية الإنتاجية. إضافة إلى ذلك، أكد على ضرورة التركيز على زيادة الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير في الميزانية الوطنية بالأعوام القادمة، بهدف تعزيز الجهود الرامية لتسريع وتيرة التحول الرقمي.
وفي النهاية، شدد المؤتمر على أهمية تهيئة بيئة داعمة تحفّز المستثمرين ذوي الاستعداد للمخاطرة على ضخ الأموال في مبادرات التقنيات الحديثة، وتطوير السوق المالية لجعلها تتسم بالأموال الكثيرة والشمولية، بما يشجع الشركات الناشئة التي نجحت في تحقيق أرباح نقدية على مدى سنتين متواليتين على طرح أسهمها للعامة، بالإضافة إلى تنشيط المستثمرين في مجال رأس المال الجريء لوضع أموالهم في هذه الشركات والقدرة على سحب استثماراتهم بكل يُسر.
(المملكة-صندوق النقد الدولي)