أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في روسيا، إذ أفادت تقارير بأن أكثر من 60% من السكان استخدموا تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي. ويعود هذا الارتفاع في التبني، وفقًا لدراسة حديثة أجراها المركز الروسي لأبحاث الرأي العام (VTsIOM)، بشكل أساسي إلى الأجيال الشابة، وخاصة الجيل “Z” (المعروف بـ “زومرز”) والشباب من جيل الألفية. ومن المثير للإعجاب، أن حوالي 86-87% من هذه الفئات العمرية تعاملوا مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعكس انفتاحهم على الابتكار والتحول الرقمي.
على النقيض من ذلك، تُظهر الفئات الأكبر سنًا نهجًا أكثر تحفظًا. ففي “جيل الركود” (الأعمار بين 50 و64 عامًا)، أفاد 42% فقط باستخدام الذكاء الاصطناعي، بينما بلغت النسبة 23% فقط بين “جيل ذوبان الجليد” (65 عامًا فأكثر). يكشف هذا الانقسام الجيلي عن دور الاعتياد على النظم الرقمية ومدى الراحة مع التطورات التكنولوجية في تشكيل اتجاهات تبني الذكاء الاصطناعي.
كما أبرزت نتائج الدراسة العلاقة بين مستوى التعليم وأسلوب الحياة الحضري واستخدام الذكاء الاصطناعي. إذ بلغت نسبة المستخدمين النشطين للذكاء الاصطناعي 74% بين الأفراد الحاصلين على تعليم جامعي أو أعلى، مقارنة بـ 42% فقط بين أولئك ممن لم يكملوا التعليم الثانوي. وبالمثل، تظهر بيئات المدن، لا سيما المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبرغ، معدلات تبنٍ أعلى تصل إلى 69-77%، في حين تتأخر المناطق الريفية عند نسبة 49%.
تأثير العادات الرقمية وأنماط استهلاك الإعلام
عامل آخر مؤثر في تبني الذكاء الاصطناعي يرتبط بعادات استهلاك الوسائط. ففي حين أشار 80% من مستخدمي الإنترنت إلى استخدام أدوات تعمل بالذكاء الاصطناعي، تنخفض النسبة بشكل ملحوظ إلى 13% فقط بين أولئك الذين يعتمدون بشكل أساسي على الإعلام التقليدي مثل التلفاز. تعكس هذه الفجوة اتجاهًا عالميًا أوسع يتمثل في تماشي أنماط الحياة الرقمية مع انفتاح أكبر تجاه التقنيات الحديثة.
تأتي هذه النتائج وسط موجة عالمية متزايدة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تمتد عبر صناعات متنوعة، بدءًا من الرعاية الصحية وصولًا إلى الترفيه والخدمات اللوجستية. ولم تغب روسيا عن هذه الموجة التكنولوجية، حيث تسهم الابتكارات في الذكاء الاصطناعي في تقدمات كبيرة في تخطيط المدن الذكية، والمركبات ذاتية القيادة، ومعالجة اللغة الطبيعية. وتعزز الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والتعليم طموحها لتصبح رائدة عالميًا في هذا المجال.
على سبيل المثال، تُظهر التطورات الأخيرة مثل الخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي المقدمة من “سبيربنك” وإنجازات “ياندكس” في التعلم الآلي تأثيرًا عمليًا للذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية. وبالمثل، أدى انتشار منصات التعليم المدعومة بالذكاء الاصطناعي والمساعدات الافتراضية إلى تعزيز الكفاءة وسهولة الوصول للمستخدمين، خاصة بين فئة الشباب المتمرسة رقميًا.
تبني روسيا المتزايد للذكاء الاصطناعي يعكس الإمكانات التحويلية لهذه التقنية عبر مختلف الفئات السكانية والصناعات. وبينما تقود الأجيال الشابة وسكان المدن الكبرى حركة التبني، يبقى من الضروري معالجة الفجوة الرقمية لضمان توفير فرص متكافئة للوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي لجميع المواطنين بغض النظر عن العمر أو التعليم أو الموقع الجغرافي.
مع تطور الذكاء الاصطناعي باستمرار، من المتوقع أن يتسع دوره في تشكيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي في روسيا. ومن خلال تعزيز الابتكار، وتشجيع التعليم، وتقليص فجوات التبني، يمكن لروسيا استثمار إمكانيات الذكاء الاصطناعي بالكامل لدفع عجلة التقدم والشمولية.
تقدم الاتجاهات التي تم رصدها في روسيا رؤى قيمة لأصحاب المصلحة العالميين في منظومة الذكاء الاصطناعي، مشددة على أهمية العوامل الجيلية، والتعليمية، والبنية التحتية في توجيه تبني واستخدام التقنيات المتطورة. ومع الاستثمارات الاستراتيجية واستمرار الابتكار، سيظل الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في مسيرة التحول الرقمي في روسيا.