جدول المحتويات
تشهد المنافسة بين عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي “بلو سكاي” و”إكس” (المعروفة سابقاً باسم تويتر) تصاعداً لافتاً، استناداً إلى اختلافات جوهرية في التعامل مع الذكاء الاصطناعي (AI) وبيانات المستخدمين. مع التطور المستمر للذكاء الاصطناعي، بات استخدام البيانات الشخصية في تدريب النماذج الحاسوبية مسألة محورية في عالم التكنولوجيا، مما أثار مخاوف تتعلق بالخصوصية والأخلاقيات والثقة. وبينما تعهدت “بلو سكاي” مؤخراً بحماية محتوى المستخدمين من الاستغلال في تطوير الذكاء الاصطناعي، تبنت “إكس” سياسة بيانات جديدة، مما أدى إلى إثارة الجدل العلني وزيادة هجرة المستخدمين. ويبقى السؤال: من سيربح هذه المعركة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي في مستقبل التواصل الاجتماعي؟
النهج الأخلاقي لبلو سكاي تجاه الذكاء الاصطناعي وبيانات المستخدمين
قامت “بلو سكاي”، التي أسسها المدير التنفيذي السابق لتويتر جاك دورسي، باتخاذ موقف واضح ضد استخدام بيانات المستخدمين في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. ففي بيان علني، أكدت المنصة أنها “لا تعتزم” استغلال المحتوى الذي ينتجه المستخدمون لأغراض تطوير الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي. وقد لاقى هذا النهج صدى واسعاً لدى الفنانين والمبدعين والمستخدمين الحريصين على الخصوصية، الذين يشعرون بالقلق من إمكانية استغلال أعمالهم من قبل خوارزميات الذكاء الاصطناعي في منصات أخرى، لا سيما “إكس”.
يمثل موقف “بلو سكاي” تجاه الذكاء الاصطناعي جزءاً من استراتيجيتها الأوسع للتمييز عن منافسيها. ومع تزايد المخاوف بشأن الخصوصية، تسعى “بلو سكاي” لبناء سمعة كمنصة تضع ثقة المستخدمين في المقام الأول. وقد بدأ هذا المنهج يؤتي ثماره، حيث سجلت “بلو سكاي” زيادة قوية في عدد المستخدمين النشطين يومياً، مع ارتفاع بنسبة 62% عقب الانتخابات الرئاسية الأميركية. العديد من هؤلاء المستخدمين يهاجرون من “إكس”، متأثرين بوعد “بلو سكاي” باستخدام البيانات الأخلاقي.
والواقع أن التزام “بلو سكاي” بالخصوصية وتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ليس مجرد خطوة تسويقية، بل هو تحرك مدروس لجذب شريحة من المستخدمين البارعين في مسائل الخصوصية. وسيكون الحفاظ على هذه الثقة أمراً حاسماً بالنسبة للمنصة في ظل المنافسة الشرسة في مجال الذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الاجتماعي.
سياسات البيانات الجديدة واستراتيجية الذكاء الاصطناعي في إكس
في المقابل، اتخذت “إكس” موقفاً مغايراً تماماً، حيث قامت بتحديث شروط الخدمة لتسمح باستخدام المحتوى الذي ينشئه المستخدمون في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. تحت قيادة إيلون ماسك، تحتفظ “إكس” الآن بالحق في تحليل واستغلال المنشورات والصور والفيديوهات العامة لأغراض تدريب الذكاء الاصطناعي. وقد أثارت هذه الخطوة، التي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 2023، مخاوف كبيرة بين المستخدمين بشأن الخصوصية وملكية البيانات.
تعتبر “إكس” هذا القرار جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى استغلال الكم الهائل من المعلومات المتاحة على المنصة. يتضمن هذا الرؤية تطوير أدوات تعلم آلي متقدمة، مثل أداة الدردشة “Grok AI” التي تم إطلاقها مؤخراً، وتتيح تجارب شخصية للمستخدمين. لكن هذه الرؤية جاءت بتكلفة؛ فقد غادر العديد من الشخصيات العامة المنصة، بما في ذلك دون ليمون من CNN والكاتب ستيفن كينغ، معربين عن مخاوفهم بشأن خصوصية البيانات.
كما أن سياسات بيانات “إكس” المثيرة للجدل أثارت جدلاً واسعاً حول أخلاقيات استخدام المحتوى العام لتدريب الذكاء الاصطناعي دون موافقة صريحة من المستخدمين. على الرغم من تقديم خاصية خروج محدودة لمشتركي “إكس بريميوم”، تواجه المنصة ردود فعل متزايدة من مستخدمين يشعرون بأن بياناتهم تُستغل. ومع تكامل الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في منصات وسائل التواصل الاجتماعي، قد تؤسس سياسات “إكس” سابقة جديدة في استغلال البيانات، لكن ذلك يمكن أن يأتي على حساب ثقة المستخدمين.
التداعيات على المنافسة في وسائل التواصل الاجتماعي
لا شك أن الفجوة المتسعة بين سياسات “بلو سكاي” و”إكس” في التعامل مع بيانات الذكاء الاصطناعي تحمل آثاراً بعيدة المدى على مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي. ففي هذا المشهد التنافسي المتزايد، تجد المنصات نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات صعبة بشأن كيفية استخدام بيانات المستخدمين للبقاء في السباق التكنولوجي. قرار “بلو سكاي” بعدم استخدام بيانات المستخدمين لأغراض تدريب الذكاء الاصطناعي قد يساعدها في تشكيل نفسها كبديل يركز على الخصوصية. وهذه الخطوة قد تكون حاسمة في جذب المستخدمين غير الراضين عن استغلال البيانات الذي تمارسه منصات مثل “إكس”.
ومع زيادة هجرة المستخدمين إلى “بلو سكاي”، قد يدفع هذا الموقف الأخلاقي المنصات الأخرى لإعادة النظر في سياساتهم الخاصة بالبيانات. ومع تصاعد مخاوف الخصوصية على مستوى العالم، قد تكتسب المنصات التي تولي الأولوية للتطوير الأخلاقي للذكاء الاصطناعي ميزة تنافسية. ومع ذلك، فإن نجاح “بلو سكاي” سيعتمد على قدرتها على التوسع مع الحفاظ على قيمها الأساسية، وهو تحدٍ واجهته العديد من الشبكات الاجتماعية الأخرى مع نموها.
على الجانب الآخر، فإن استعداد “إكس” لاستغلال بيانات المستخدمين لأغراض الذكاء الاصطناعي قد يفضي إلى تحقيق قفزات تكنولوجية كبيرة، مما قد يضعها في الصدارة بمجال وسائل التواصل الاجتماعي المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. لكن هذه المنصة تخاطر بتAlienنفر شريحة كبيرة من مستخدميها، خاصة هؤلاء القلقين من مسائل الخصوصية. وإذا تمكنت “إكس” من تحقيق توازن بين الابتكار التكنولوجي وثقة المستخدمين، قد تستمر في تصدّر المشهد التنافسي، لكن هذا التوازن أصبح صعباً بشكل متزايد.
ردود الفعل: انقسام متزايد بين المستخدمين
أحدثت المنافسة بين “بلو سكاي” و”إكس” مجموعة واسعة من ردود الفعل بين المستخدمين. فبينما أشاد الكثيرون بنهج “بلو سكاي” الأخلاقي تجاه الذكاء الاصطناعي، معتبرين إياه نسمة هواء جديدة في مشهد وسائط التواصل الاجتماعي الذي تهيمن عليه استغلال البيانات، عبر العديد من الفنانين والمبدعين عن ارتياحهم لعدم استغلال أعمالهم في تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي دون موافقتهم. وقد ساعد هذا التوجه “بلو سكاي” على بناء مجتمع أكثر ترحيباً وتفاعلاً، حيث أبلغ العديد من المستخدمين عن تفاعلات بجودة أعلى مقارنة بـ”إكس”.
في المقابل، لم يكن الجميع راضين تماماً عن “بلو سكاي”. فقد أشار البعض إلى أن المنصة تفتقر إلى بعض الميزات التي تعتبر معياراً في “إكس”، مثل الرسائل المباشرة ودعم الصور المتحركة (GIFs) والفيديوهات. كما تزايدت الشكوك حول ما إذا كانت “بلو سكاي” قادرة على الحفاظ على مسارها الحالي مع استمرار نموها. وقد عبر النقاد عن مخاوف حول استدامة المنصة، متسائلين ما إذا كانت ستتمكن من تجنب الفخاخ التي سقطت فيها شبكات اجتماعية أخرى.
في المقابل، تواجه “إكس” موجة متزايدة من الاستياء. شعر كثير من المستخدمين أن المنصة أصبحت أكثر سمية وأقل ودا منذ تولي ماسك قيادتها. وقد زادت سياسات البيانات الجديدة من هذه المخاوف، مما دفع الكثيرين إلى التفكير في الانتقال إلى منصات بديلة مثل “بلو سكاي” أو “ثريدز”. وعلى الرغم من هذه التحديات، تظل “إكس” واحدة من أكبر منصات التواصل الاجتماعي عالمياً، واستثماراتها في الذكاء الاصطناعي قد تمنحها ميزة تكنولوجية لا تستطيع الجهات المنافسة الأصغر مجاراتها.
إن المنافسة بين “بلو سكاي” و”إكس” تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي واستخدام البيانات في مشهد وسائل التواصل الاجتماعي. ومع اعتماد المنصات بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتحسين تجارب المستخدمين ودفع عجلة الابتكار، أصبح السؤال حول كيفية جمع واستخدام بيانات المستخدمين مسألة حرجة. قرار “بلو سكاي” بإعطاء الأولوية للخصوصية وتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي يميزها عن “إكس”، التي تبنت استراتيجية استخدام البيانات لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي.
نهاية المطاف، سيعتمد مستقبل منصات التواصل الاجتماعي على تحقيق توازن بين الابتكار والثقة. والأهم من ذلك، فإن الفائز الحقيقي سيكون المستخدم الذي يستفيد من تجربة تواصل اجتماعي أكثر أخلاقية وابتكاراً، سواء أكان ذلك على “بلو سكاي” أو “إكس” أو منصة جديدة قادمة