جدول المحتويات
في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم الرقمي بفعل الذكاء الاصطناعي (AI)، تتخذ الصين خطوات استباقية لتعزيز تدابير الأمان الإلكتروني لحماية القُصَّر. وكشف “التقرير السادس لمسح استخدام الإنترنت بين القُصَّر في الصين” عن إحصائية لافتة، حيث أظهر أن ما يقرب من 90% من مستخدمي الإنترنت القُصَّر في البلاد أصبحوا على دراية بتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أعرب 42.4% عن اهتمام كبير بهذه التقنية، وأكد 19% منهم تفاعلهم مع منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وفي ظل التزايد المطرد لاستخدام الذكاء الاصطناعي، تبرز مخاوف متنامية حول الآثار الأخلاقية والتنموية لهذه التقنية على المستخدمين الشباب. وللتصدي لهذه التحديات، تم إطلاق مبادرة مشتركة بعنوان “بناء مستقبل مشترك بين الشباب والذكاء الاصطناعي”، خلال منتدى حماية القُصَّر على الإنترنت الذي انعقد بالتزامن مع قمة ووتشن لعام 2024 لمؤتمر الإنترنت العالمي. وتعكس هذه المبادرة التزام الصين بتعزيز الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي بين الفئات العمرية الشابة.
كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل استخدام الإنترنت بين شباب الصين؟
سلط “التقرير السادس لمسح استخدام الإنترنت بين القُصَّر” الضوء على الاتجاهات الرئيسية في عادات استخدام الإنترنت لدى الشباب، مشيرًا إلى التأثير العميق للذكاء الاصطناعي على سلوكهم الرقمي. وتم إجراء هذا التقرير في سياق مؤتمر الإنترنت العالمي لعام 2024 في ووتشن بمقاطعة تشجيانغ، حيث تناول تسعة مجالات رئيسية، من بينها التعليم الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، والابتكارات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي.
ومن أبرز النتائج التي كشف عنها التقرير هو الحماس المتزايد لدى القُصَّر نحو الذكاء الاصطناعي. ومع تزايد شهرة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وMidJourney وغيرها حول العالم، يتفاعل المستخدمون الشباب في الصين بشكل متزايد مع هذه التقنيات. ومع ذلك، يطرح هذا الأمر تساؤلات حول مدى جاهزيتهم للتعامل مع التعقيدات الأخلاقية والمخاطر المحتملة لهذه الأدوات.
كما شدد التقرير على أهمية تحقيق التوازن في التجربة الرقمية. ففي حين يعتبر الذكاء الاصطناعي فرصة هائلة للإبداع والتعلم والترفيه، فإن التعرض غير المنظم لتقنياته قد يؤدي إلى تحديات مثل انتشار المعلومات المضللة، وانتهاكات الخصوصية، والاعتماد المفرط على الخوارزميات. هذه التحديات تؤكد الحاجة الملحة إلى حوكمة رقمية شاملة مصممة خصيصًا للقُصَّر.
دور الأسر والمدارس والمنصات في حماية القُصَّر
مع إدراك الطبيعة متعددة الجوانب للأمان الرقمي، جمع المنتدى ممثلين عن ستة قطاعات رئيسية: الأسر، والمدارس، والمجتمعات، والمنصات الرقمية، والحكومة، والنظام القضائي. وركز المشاركون بشكل جماعي على أهمية وضع إطار تعاوني لحماية القُصَّر في العالم الرقمي.
وطُلب من الأسر والمدارس أداء دورٍ محوري في تنمية مهارات الفهم الرقمي لدى القُصَّر. فمن خلال تزويد الأطفال بمهارات التفكير النقدي وتعزيز السلوك المسؤول عبر الإنترنت، تستطيع هذه المؤسسات الأساسية الحد من المخاطر التي قد تشكلها تقنيات الذكاء الاصطناعي. في المقابل، طُلب من المنصات الرقمية اعتماد أنظمة متطورة لمراجعة المحتوى، وضمان التزام الأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بالمعايير الأخلاقية.
ولعبت الحكومة دورًا كبيرًا في هذه المساعي من خلال سن قوانين صارمة وإطلاق حملات توعية عامة لخلق بيئة إلكترونية أكثر أمانًا للشباب. كما يجري استكشاف أُطر قانونية تستهدف قضايا محددة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل خصوصية البيانات وشفافية الخوارزميات.
التداعيات العالمية لإجراءات الصين في مجال أمان الذكاء الاصطناعي للقُصَّر
لا تُعد جهود الصين لحماية القُصَّر في عصر الذكاء الاصطناعي مجرد أولوية محلية، بل تمثل أيضًا نموذجًا عالميًا مرجعيًا. ففي وقت تكافح فيه الدول حول العالم لحل القضايا الأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، تقدم مبادرات الصين رؤى قيمة حول كيفية تحقيق التوازن بين الابتكار والحماية.
ويبرز النهج التعاوني متعدد الأطراف الذي تتبناه الصين كاستراتيجية متقدمة للتعامل مع تعقيدات مشهد الذكاء الاصطناعي. فمن خلال إشراك الأسر، والمعلمين، وشركات التكنولوجيا، وصُناع السياسات، تُحدد الصين سابقة نموذجية للحكومة الرقمية الشاملة، التي يمكن أن تُستمد منها دروس مهمة للدول الأخرى التي تسعى لتحصين شبابها من التداعيات غير المقصودة للتكنولوجيا المتطورة.
علاوة على ذلك، فإن التركيز الاستراتيجي على تعزيز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي بين القُصَّر يتماشى مع الجهود العالمية الأوسع لتعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقي. ومع استمرار الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل مستقبل العمل والتعليم والتفاعل الاجتماعي، يُعد تجهيز الجيل القادم بالأدوات اللازمة للتنقل في هذا المشهد المتطور ضروريًا.
تُظهر جهود الصين المنهجية لحماية القُصَّر في عصر الذكاء الاصطناعي مدى أهمية التصدي للتحديات الأخلاقية والتنموية التي تفرضها التقنيات الناشئة. ويُبرز كل من ما ورد في “التقرير السادس لمسح استخدام الإنترنت بين القُصَّر” والمبادرات المُعلنة خلال منتدى حماية القُصَّر التزام البلاد بخلق بيئة رقمية آمنة وشاملة لشبابها.
ومع استمرار اختراق الذكاء الاصطناعي شتى جوانب الحياة اليومية، تقع مسؤولية حماية الفئات الضعيفة على عاتق جميع الأطراف المعنية. ومن خلال إيلاء الأولوية للمعرفة الرقمية، والممارسات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، والحكم التعاوني، تمهد الصين الطريق لمستقبل يُسخر فيه التكنولوجيا كوسيلة للتمكين وليس للاستغلال.
وبذلك، لا تضمن الصين رفاهية قُصَّرها فقط، بل تسهم أيضًا في النقاش العالمي حول تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول. ومع سعي دول أخرى لمعالجة تحديات مماثلة، يُقدم النهج الصيني دروسًا قيمة حول أهمية تحقيق التوازن بين الابتكار والحماية في العصر الرقمي.
المصدر: شينخوا