جدول المحتويات
شاركت المملكة العربية السعودية مؤخرًا في اجتماع مهم يتعلق بالهيئة الاستشارية رفيعة المستوى للأمين العام للأمم المتحدة حول الذكاء الاصطناعي (HLAB-AI) في نيويورك. عُقد الاجتماع خلال قمة “مستقبل الحوكمة” المرموقة، وضم 38 عضوًا من مختلف الدول للتباحث حول مستقبل حوكمة الذكاء الاصطناعي ودوره في التنمية العالمية. مثلت المملكة في هذا الاجتماع الدكتورة لطيفة بنت محمد آل عبدالكريم، عضو مجلس الشورى، إلى جانب مسؤولين من الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا).
تؤكد مشاركة السعودية في هذا الاجتماع على ريادتها المتزايدة في قطاع الذكاء الاصطناعي على المستويين الإقليمي والعالمي. وتسعى المملكة، بصفتها لاعبًا أساسيًا في تعزيز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إلى المساهمة في النقاشات الدولية حول كيفية تسخير الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية، بما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. وتأتي هذه المشاركة في إطار رؤية السعودية الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي لتطوير الذكاء الاصطناعي، وذلك بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
حوكمة الذكاء الاصطناعي: توصيات أساسية من الهيئة الاستشارية للأمم المتحدة
أصدرت الهيئة الاستشارية رفيعة المستوى للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي تقريرًا شاملًا بعنوان “حوكمة الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية”، والذي تضمن العديد من التوصيات الأساسية لحوكمة الذكاء الاصطناعي. مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، دعا التقرير إلى إنشاء هيكل حكومي شامل عالمي يشمل جميع البلدان، مع التركيز على التعاون الدولي والعدالة وبناء القدرات.
من بين أبرز التوصيات التي تضمنها التقرير إنشاء شبكة لتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي، تهدف لتعزيز التعاون بين مراكز البحوث والموارد المرتبطة بالذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. ومن خلال ربط هذه المراكز، ستساهم الشبكة في تحقيق الشمولية، وضمان حصول الدول النامية على المعرفة والبيانات والأدوات اللازمة للمشاركة في الثورة الرقمية للذكاء الاصطناعي. وتتوافق هذه المبادرة مع الهدف العام لتقليص “فجوة الذكاء الاصطناعي” بين الدول الغنية والدول النامية.
كما اقترح التقرير إنشاء صندوق الذكاء الاصطناعي العالمي، للتعامل مع الفجوات في القدرات والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي. سيدعم هذا الصندوق الجهود المحلية لتطوير البحوث واستخدامات الذكاء الاصطناعي، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى الموارد. وتهدف هذه المبادرة إلى سد الفجوات في تطوير الذكاء الاصطناعي وضمان أن تسهم هذه التكنولوجيا في تحقيق الأهداف العالمية من خلال دعم أهداف التنمية المستدامة.
إطار عالمي للبيانات: ضرورة الشفافية والمساءلة في الذكاء الاصطناعي
من بين التوصيات المهمة الأخرى في التقرير هو تشكيل إطار عالمي للبيانات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. سيعمل هذا الإطار على توحيد التعاريف والمبادئ وإدارة البيانات، مما يضمن عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بشفافية ومساءلة. ومع تزايد استخدام هذه الأنظمة في قطاعات مثل الصحة والتمويل، تبرز الحاجة إلى إطار بيانات قوي يكفل الحفاظ على الثقة ومنع إساءة الاستخدام.
سيدعم الإطار المقترح أيضًا نمو النظم البيئية المحلية للذكاء الاصطناعي بتوفير توجيه واضح حول كيفية جمع البيانات وتخزينها واستخدامها. سيساعد ذلك الدول في تطوير إمكاناتها في مجال الذكاء الاصطناعي مع الالتزام بالمعايير الدولية، مما يساهم في تعزيز بيئة عالمية أكثر تعاونًا وأمانًا في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما شدّد التقرير على أهمية التوافق التنظيمي، وهو قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على العمل عبر الحدود بشكل متكامل. من خلال إنشاء معايير فنية مشتركة، يمكن للمجتمع الدولي أن يضمن أن تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي آمنة وفعالة ومتوافقة بين مختلف المناطق والصناعات.
دور السعودية في تعزيز الذكاء الاصطناعي: رؤية للمستقبل
تعكس مشاركة المملكة العربية السعودية في الاجتماع الاستشاري للأمم المتحدة طموحاتها الواسعة في مجال الذكاء الاصطناعي. فمن خلال سدايا (الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي)، تعمل المملكة على تعزيز بنيتها التحتية في مجال الذكاء الاصطناعي، بهدف ترسيخ نفسها كقائدة عالمية في البحث والابتكار في هذا المجال. وتتوافق مشاركتها مع مهمة سدايا لبناء أحد أكثر النظم البيئية شمولاً للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.
وتضع خطة رؤية المملكة 2030 أهمية كبيرة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات كأسس أساسية في تحقيق التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة. استثمرت السعودية بشكل كبير في هذا المجال، حيث أطلقت العديد من المبادرات لتعزيز تبني الذكاء الاصطناعي عبر قطاعات مثل الصحة والتعليم والطاقة. ومن خلال شراكات مع المنظمات الدولية ومراكز الذكاء الاصطناعي، تسعى المملكة لتصبح لاعبًا محوريًا في تشكيل مستقبل حوكمة الذكاء الاصطناعي.
علاوة على ذلك، يتجلى التزام المملكة بتعزيز الذكاء الاصطناعي من أجل الخير في جهودها لدمج الذكاء الاصطناعي في الحلول التي تواجه التحديات العالمية مثل تغير المناخ والصحة العامة. وبمشاركتها في محادثات دولية مثل قمة الأمم المتحدة لمستقبل الحوكمة، تساهم السعودية ليس فقط في مناقشة تطوير الذكاء الاصطناعي، بل تسعى أيضًا لترسيخ مكانتها كقائدة فكرية في هذا المجال.
الدور الاستراتيجي لسدايا في الابتكار والحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي
تلعب الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) دورًا مركزيًا في جهود المملكة الرامية إلى قيادة ثورة الذكاء الاصطناعي. وتأتي مشاركة سدايا في الاجتماع الاستشاري للأمم المتحدة كجزء من استراتيجيتها العامة التي تهدف إلى تعزيز تبني الذكاء الاصطناعي على الصعيدين المحلي والدولي. وتركز سدايا على بناء نظام بيئي تعاوني للذكاء الاصطناعي يدعم الابتكار ويعزز التحول الرقمي ويساهم في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.
ومن بين المبادرات الرئيسية لسدايا تطوير برامج ومبادرات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتشجيع الأفراد والمؤسسات على تبني هذا النوع من التكنولوجيا. ومن خلال إنشاء نظام بيئي متكامل للذكاء الاصطناعي، توفر سدايا بيئة ملائمة لازدهار الابتكار. ويأتي هذا النهج متوافقًا مع رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تنويع الموارد الاقتصادية وتقليل الاعتماد على إيرادات النفط عبر الاستفادة من التقنيات المتطورة كالتقنيات الذكية.
كما تسعى الهيئة إلى دعم تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs) عبر مبادراتها في مجال الذكاء الاصطناعي. فمن خلال الاستثمار في بحوث الذكاء الاصطناعي وتعزيز الحلول القائمة عليه لمواجهة تحديات مثل الفقر وعدم المساواة والتغير المناخي، تلعب سدايا دورًا حيويًا في تعزيز الأهداف التنموية على المستوى المحلي والدولي.
الخاتمة: مستقبل حوكمة الذكاء الاصطناعي يتطلب تعاونًا دوليًا
يمثل انخراط المملكة العربية السعودية في قمة الأمم المتحدة لمستقبل الحوكمة ومشاركتها في الهيئة الاستشارية رفيعة المستوى بشأن الذكاء الاصطناعي خطوة مهمة إلى الأمام في النقاش العالمي حول حوكمة الذكاء الاصطناعي. وتؤكد مساهمات المملكة جنبًا إلى جنب مع الجهات الدولية الأخرى على أهمية العمل الجماعي في مواجهة التحديات والاستفادة من الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي.
تسلط التوصيات الصادرة عن الهيئة الاستشارية، بما في ذلك إنشاء شبكة لتطوير القدرات، وصندوق عالمي للذكاء الاصطناعي، وإطار عالمي للبيانات، الضوء على الحاجة الملحة للتعاون الدولي لضمان تطوير تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي بما يخدم مصلحة البشرية جمعاء. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يصبح من الضروري أن تعمل الدول معًا لبناء هيكل حوكمة يعزز الشمولية، الشفافية، والمساءلة.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يمثل هذا الحدث فرصة لتعزيز دورها كقائدة في قطاع الذكاء الاصطناعي، مع المساهمة في الجهود العالمية لتسخير الذكاء الاصطناعي لصالح الإنسانية، والمضي قدمًا نحو تحقيق أهداف رؤيتها 2030 العالمية. ومع تقدم العالم نحو مستقبل يعتمد أكثر فأكثر على الذكاء الاصطناعي، ستلعب مشاركة المملكة الفعالة في حوكمة هذا المجال دورًا محوريًا في رسم مساره المستقبلي.
المصدر: واس