الذكاء الاصطناعي -نظرة شمولية
الجزء الثاني
اتجاهات الذكاء الاصطناعي
تتركز أبحاث الذكاء الاصطناعي في ثلاث اتجاهات رئيسة: الاتجاه الأول هو تعلم الآلة (Machine learning) للعمل بفعالية أكبر عن طريق أنواع تعلم الآلة الثلاثة المختلفة (Supervised, Unsupervised and reinforced learning) وتستخدم لبناء نماذج التعلم العميق (Deep learning)، والاتجاه الثاني هو معالجة اللغة الطبيعية (Natural Language processing) ، أما الاتجاه الثالث فهو مجال الروبوتات (Robotics) بكافة أنواعها وحيثياتها وتطبيقاتها.
ففي الاتجاه الأول يتم الاستفادة من أنماط مختلفة منها تعلّم الآلة تحت الإشراف (supervised learning) عن طريق استخدام كميات من المعلومات المتوافرة في عدة جوانب كالمجالات التصنيفية مثل تصنيف العملاء في شركات الخدمات والبنوك بهدف المحافظة عليهم، ويستخدم أيضا في كشف التزوير في الوثائق، وفي تصنيف الصور والتحقق منها، وفي المجالات التنبّؤية مثل تنبّؤات النمو السكاني، والتنبؤات الجوية، وتوقعات الأسواق المالية وكثير من الاستخدامات الأخرى.
ويتضمّن هذا الاتجاه كذلك التعلّم غير الخاضع للإشراف (Unsupervised learning) الذي يُستخدم لاستخلاص الاستنتاجات من مجموعات البيانات غير المترابطة بشكل مباشر، فمثلا يستخدم في التحليلات التجميعية (Clustering) كتحليل شرائح العملاء (customer segmentation) وفي تحديد الأسواق المستهدفة لمنتج معين، ويستخدم أيضا لتحليل البيانات الاستكشافية مثل توقعات المستقبل، وفي تحليلات البيانات الضخمة وتحويل البيانات إلى معلومات فيها تصورات وتوقعات مستقبلية.
أما التعلم المعزز (Reinforced Learning) فهو المجال المتقدم من مجالات التعلم الآلي، ويهتم باتخاذ الإجراءات المناسبة لتعظيم المكافأة في موقف معين، ويُستخدم في العديد من البرامج والآلات للعثور على أفضل سلوك أو مسار ممكن يجب سلوكه في موقف معين، أي أن التعليم يكون بناءً على التجربة وليس على بيانات موجودة مسبقا. ومن أهم تطبيقاته الألعاب الإلكترونية التي تعتمد على المراحل والاستراتيجيات، كما يستخدم في اتخاذ القرارات الآنية (Real Time decisions) مثل الطائرات المسيّرة أو في الروبوتات المستخدمة في أغراض الملاحة، كما يستخدم بالتحكم الذاتي في إشارات المرور.
أما الاتجاه الثاني فهو معالجة اللغة الطبيعية (NLP) وهو حقل فرعي من اللغويات وعلوم الذكاء الاصطناعي معنيٌّ بالتفاعلات بين أجهزة الحاسب واللغات البشرية (الطبيعية)، ولا سيما كيفية منح الآلات القدرة على معالجة وتحليل كميات كبيرة من بيانات اللغات الطبيعية وقراءة وفهم واشتقاق المعنى منها، وهنالك تطبيقات واسعة الاستخدام لهذا الاتجاه مثل مرشحات البريد الإلكتروني (Email filtration)، بالإضافة الى استعماله في المساعدين الأذكياء مثل “سيري” من شركة أبل و”أليكسا” من شركة أمازون ومعالج “واتسون” من شركة IBM. كما يستخدم بتصفية نتائج البحث عبر الإنترنت، بالإضافة لتحليلات وتنبؤات النصوص وفهم الفكرة منها بشكل آلي وتصحيح الأخطاء اللغوية والكشف عن أشكال الكلام وإجراء تحليل المشاعر، فضلا عن استخدامه في ترجمة اللغات المختلفة، وفي المكالمات الآلية الرقمية.
أما الاتجاه الثالث الواعد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وهو مجال الروبوتات فينقسم لعدة أقسام من ضمنها الروبوتات الخدمية والصناعية والطبية والزراعية والتي تقوم بوظائف عديدة ومتنوعة في تلك المجالات، كما يشتمل على السيارات ذاتية القيادة (Autonomous Vehicles)، ويشمل أيضا الطائرات المسيرة ذات الوظائف المختلفة (Drones)، وروبوتات المحادثة (Chatbots)، بالإضافة إلى أتمتة عمليات الروبوتات (RPA: Robotics Process Automation) .
ومن هنا نرى أن الروبوتات تقوم حاليا بالعمل جنبا إلى جنب مع الإنسان في مختلف جوانب الحياة، فعلى سبيل المثال هناك الروبوتات المستخدمة في صناعات السيارات والطائرات والتي تُبرمج لتشكل خطوط انتاج كاملة من دون تدخل الإنسان، والروبوتات التي تُستخدم لتقديم بعض الخدمات في المطاعم والفنادق، وفي تحسين أنظمة الجرد والتخزين في المستودعات بالشركات الكبيرة، بالإضافة إلى الروبوتات الطبية التي يتم توظيفها في إجراء العمليات الجراحية الدقيقة والتي تتطلب جهداً كبيرا من الإنسان، كما أنّ هناك الروبوتات المستخدمة في الزراعة والتي تنفّذ مهمات تتضمّن زراعة محاصيل جديدة وحصاد المزروعات ومراقبة التلوث والظروف الجوية.
وفيما يتعلّق بروبوتات المحادثة (ChatBots) فإنّ لها مستقبلا واعدًا وذا دور محوري في تحسين خدمات الشركات من حيث إمكانية استقبال الشكاوى وتحليل طلبات المستخدم واقتراح الحلول آليا وإضافة وإلغاء الخدمات على مدار الساعة من دون تدخل الإنسان خصوصا في المشاكل المتكررة والتي تكون حلولها معروفةً مسبقا، مما يوفّر للشركات فرصًا جديدة لتحسين عملية مشاركة العملاء ورفع جودة الكفاءة التشغيلية من خلال تقليل التكلفة النموذجية لخدمة العملاء وتحويل البشر لعمل مهمات ذات قيمة أكبر للشركات.
أما الطائرات المسيرة (Drones) فلها أهمية مستقبلية تتمثّل في القيام بمهمات التوصيل للطرود الخفيفة، كما يمكن استعمالها في المراقبة والتصوير كما حصل أثناء مراقبة تحركات الأشخاص في الصين واليابان خلال جائحة كورونا لتقليل انتشار المرض، كما تستخدم في بعض عمليات الصيانة الميدانية لشبكات الاتصالات دون الحاجة لإرسال فرق فنية عندما تكون الأعطال معروفة الحلول ومتكررة الحدوث.
ومن المجالات المهمة أيضا في الاتجاه الثالث بالذكاء الاصطناعي ما يسمى أتمتة العمليات الآلية (RPA: Robotic Process Automation)، ويقصد به التقنية التي تسمح ببناء وتكوين برامج كمبيوتر بهدف محاكاة إجراءات وتفاعلات الإنسان لتنفيذ مجموعة من المهام الأساسية تمامًا كما يفعل البشر. بحيث يمكن تعليم “الروبوت” سير العمل بخطوات وتطبيقات متعددة ، مثل إعداد الجداول و تفريغ البيانات، وتوثيق الحركات المالية، وتعبئة بعض النماذج، والتحقق من بعض السجلات، وعادة ما يتم استخدام تقنية RPA بشكل أساسي للوظائف المكتبية، كما لديه القدرة على الارتباط بمجموعة برامج أخرى وتشغيلها وادخال البيانات فيها و استخراج بعض المعلومات المطلوبة بشكل آلي، ويتميز هذا النظام بأنه مستمر العمل خلال 24 ساعة ولا يتوقف أو يرتكب أخطاء ضمن إطار العمل الذي تم تعريفه كالأخطاء البشرية في إدخال البيانات، مما يساعد الشركات في تبسيط العمليات اليومية وخفض تكاليف العمالة وتقليل الأخطاء وزيادة الإنتاجية.
وهنالك فرق بين التعلم العميق (Deep Learning) والـ RPA ، ففي الـ RPA يتم برمجة الروبوتات المستخدمة للقيام بالمهام في سير عمل معين من قبل الموظفين مع بعض المساعدة من المبرمجين، ولا يتعلم البرنامج من تلقاء نفسه أو يسعى إلى خلق طرق أو آليات أو رؤى جديدة وإنما يعمل كمساعد ومسهل لأعمال الموظفين، حيث يتم تخصيصه للقيام بالعمليات والمهام المتكررة التي تستهلك جزءًا من يوم كل موظف في المكتب. أما في حالة التعلم العميق؛ فإنه يسمح للآلات بحل المشكلات المعقدة حتى عند استخدام مجموعة بيانات غير منظمة وغير مترابطة وشديدة التنوع، وكلما تعلمت الآلات الخوارزميات أكثر فإن أداءها يصبح أفضل، ليصبح بإمكانها أن تحل بعض المشاكل المعقدة دون تدخل الإنسان، كما في حالة المساعدين الافتراضيين الذين يستخدمون الإنترنت وكافة مصادر المعرفة لتعلم اللغة وأسلوب العمل وكيفية التفاعل مع الإنسان.
بقلم المهندس: بلال خالد الحفناوي
متخصص بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي