الذكاء الاصطناعي – نظرة شمولية
الجزء الاول
أنماط الذكاء الاصطناعي ودوره في التحوّل الرقمي
يُصنّف العلماء عادةً تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أنماط رئيسة من حيث القدرات التي تميّزها ومستوى محاكاتها لذكاء البشر، وهذه الأنماط هي: الذكاء الاصطناعي الضيق أو الضعيف (Narrow AI) وهو الذكاء الاصطناعي الذي يمتلك نطاقًا ضيّقًا من القدرات، والذكاء الاصطناعي العام أو القوي (General AI) والذي يتساوى مع القدرات البشرية في بعض الوظائف، والذكاء الاصطناعي الخارق أو المتقدم (Super AI) ، وهو الذكاء المستقبلي الذي يتوقّع أن تفوق فيه قدرة الآلة قدرةَ الإنسان، حيث يتم تصنيف الأنماط الثلاثة من خلال قدرتها على محاكاة الخصائص البشرية، والتكنولوجيا التي تستخدمها للقيام بذلك، وتطبيقاتها الواقعية.
إنّ الذكاء الاصطناعي الضيق (ANI) هو النمط الوحيد من الذكاء الاصطناعي الذي تم تحقيقه بنجاح حتى الآن، حيث هذا النمط من الذكاء الاصطناعي موجه نحو الهدف، وهو مصمم لأداء مهام فردية، وذكي جدًا في إكمال المهمة المحددة بُرمج للقيام بها. وفي حين أن هذه الآلات قد تبدو ذكية، إلا أنها تعمل في ظل مجموعة ضيقة من القيود والشروط والظروف، وهذا هو السبب الإشارة إلى هذا النمط من الذكاء باسم الذكاء الاصطناعي الضعيف؛ حيث إنه لا يحاكي أو يكرر الذكاء البشري بشكل مطلق وإنما يحاكي السلوك البشري بناءً على نطاق ضيق من المعايير مثل التعرّف على الوجه (Face recognition) ، والتعرّف على الكلام (Voice recognition) كما يستخدم في المساعدين الصوتيين وروبوتات المحادثة ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP: Natural Language processing) ، ويطبق ايضا في القيادة الذاتية للسيارات (Autonomous Cars)، كما تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي الضيّق اليوم في الطب لتشخيص السرطانات والأمراض الأخرى بدقة متناهية. وفي زمننا الحالي حقق الانسان ذكاءً اصطناعيًا ضيقًا فقط. مع ان هنالك استمرار لتطوير قدرات التعلم الآلي، واستمرار في البحث والتطوير من قبل العلماء للوصول الذكاء الاصطناعي العام.
ويسمى النوع الثاني الذكاء الاصطناعي العام (AGI) ويُشار إليه أيضًا باسم AI القوي أو AI العميق، وهو عبارة عن مفهوم الآلة ذات الذكاء العام الذي يحاكي الذكاء البشري و/أو السلوكيات البشرية، مع القدرة على التعلّم وتطبيق الذكاء لحل أي مشكلة قد يواجهها النظام، كما يمكن للذكاء الاصطناعي العام أن يفكر ويفهم ويتصرف بطريقة لا يمكن تمييزها عن تلك الطريقة الخاصة بالإنسان في أي موقف معين. ومع ذلك لا يزال الذكاء الاصطناعي العام مجالًا ناشئًا نظرًا لأن الدماغ البشري هو نموذج إنشاء الذكاء العام، ولا يبدو أن هذا سيحدث قريبًا نسبيًا بسبب نقص المعرفة الشاملة بوظائف الدماغ البشري.
إن أحد الأساليب الرئيسة للذكاء الاصطناعي العام هو ما يسمى “محاكاة الدماغ بالكامل” ، حيث يتم نقل ذاكرة الدماغ والحالة العقلية إلى جهاز كمبيوتر، إذ تشبه بنية الكمبيوتر بنية الدماغ لأنها تعمل من خلال نظام من الخلايا العصبية يسمى الشبكات العصبية، بحيث يمكن للتكنولوجيا أن تتعلم وتشكل مسارات عصبية ذكية، وأيضا يتم استخدام أجهزة الكمبيوتر الكمومية (Quantum Computing) ذات السرعات و القدرات العالية والتي تعتمد على ميكانيكا الكم لمعالجة بيانات أكثر من أجهزة الكمبيوتر العادية، لتكون بمثابة الحدود التكنولوجية التالية لتسهيل الذكاء الاصطناعي العام.
هنالك تنبؤات مختلفة حول الزمن المتوقع للوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام، ففي العام 2017 تم استطلاع آراء أكثر من 350 خبيرًا في التعلم الآلي وعلم الأعصاب ويعتقد حوالي 50٪ منهم أن ذلك سيحدث قبل عام 2060. ويتوقع لويس روزنبرغ، الرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا Unanimous AI ، أن هذا سيحدث قريبًا في حدود عام 2030، فيما صرّح الأستاذ والمدير السابق لمختبر الذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (CSAIL- MIT) – باتريك وينستون ، أن التاريخ المتوقع هو عام 2040.
أما النمط الثالث فهو الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) وهو الذكاء الاصطناعي الافتراضي الذي يشكل الطريق إلى المستقبل الذي لا يحاكي أو يفهم الذكاء والسلوك البشري فحسب؛ بل هو الذكاء الذي تصبح فيه الآلات مدركة لذاتها وتتفوق على ذكاء الإنسان وقدرته. كما أن الذكاء الاصطناعي حينها يتطور ليكون قريبًا جدًا من المشاعر والخبرات والقدرات البشرية، بحيث لا يفهمها فقط، بل يثير المشاعر والاحتياجات والمعتقدات والرغبات الخاصة به، كما أن الذكاء الفائق سيكون قادرًا على الأداء بشكل استثنائي وهو نظريًا أفضل بكثير في كل ما نقوم به في مجالات الرياضيات والعلوم والرياضة والفن والطب والهوايات والعلاقات العاطفية ، كما سيكون لديه ذاكرة أكبر وقدرة أسرع على معالجة وتحليل البيانات وبالتالي فإن قدرات صنع القرار وحل المشكلات للكائنات فائقة الذكاء ستكون أعلى بكثير من قدرات البشر.
ونظراً لتنوّع مجالات وأنماط الذكاء الاصطناعي وإمكانية توظيفه في كثير من المجالات فإنه يعدّ عمودا أساسيا من أعمدة التحول الرقمي، ويشكل دعامة حقيقية للتحولات الرقمية الأخرى كإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والأمن السيبراني، وذلك في حيثيات استخدام تعلم الآلة (Machine Learning) في تحليل البيانات الضخمة ومعالجتها واستخراج المعلومات الهامة والمؤثرة بصناعة القرارات
كما يستخدم في إنترنت الأشياء في تحليل البيانات من المجسات (sensors) واتخاذ القرار المناسب حيث ذكرت شركةGartner في تقريرها بشهر نوفمبر 2018 انه “سيتم تطبيق الذكاء الاصطناعي على مجموعة واسعة من معلومات إنترنت الأشياء، بما في ذلك الفيديو والصور الثابتة والكلام ونشاط حركة مرور الشبكة وبيانات المستشعر”.
ويرتبط الذكاء الاصطناعي أيضا بالأمن السيبراني (Cyber Security) في تحاليل هجمات وتهديدات القرصنة الإلكترونية ومواجهة البرامج الضارة التي قد تتعرض لها الأنظمة الإلكترونية بحيث تشكل خط دفاع أولاً بالتدخل لحماية الامن والخصوصية (Security and Privacy) والكشف عن اي فيروسات ضارة وبرمجيات خبيثة.
كما يرتبط الذكاء الاصطناعي ارتباطا وثيقا بالحوسبة السحابية، حيث يتم دمج الذكاء الاصطناعي في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، حيث ستعتمد السحابة الخاصة والعامة على أدوات الذكاء الاصطناعي هذه للمراقبة والإدارة وحتى المعالجة الذاتية عند حدوث مشكلة. ووفقًا لشركة Statista ، ستتجاوز القيمة العالمية لسوق الذكاء الاصطناعي أكثر من 89 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2025. وستتحقق نسبة كبيرة من هذه القيمة عندما يدعم الذكاء الاصطناعي الحوسبة السحابية؛ وبالتالي تعمل الحوسبة السحابية كمحرك لزيادة النطاق والتأثير الذي يمكن أن يحدثه الذكاء الاصطناعي في السوق.
بقلم المهندس: بلال خالد الحفناوي
متخصص بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي