جدول المحتويات
في نوفمبر 2022، أسرت إطلاق شركة OpenAI لبرنامج ChatGPT 3.0 العالم بقدراته الحوارية المذهلة ومعرفته الواسعة بتفاصيل المجتمع. هذا الإنجاز ألقى الضوء على المجال المتنامي للذكاء الاصطناعي التوليدي، مشددًا على إمكانياته التحويلية عبر القطاعات المختلفة. تقليديًا، كان تطوير الذكاء الاصطناعي يتطلب موارد ضخمة، مع تركيز كبير على القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين. هذه الدول لديها خطط استراتيجية طويلة الأمد للهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي، كما يظهر في خطة الأبحاث والتطوير الوطنية الأمريكية للذكاء الاصطناعي وخطة تطوير الجيل الجديد للذكاء الاصطناعي في الصين. ومع ذلك، هناك لاعب أقل شهرة لكنه لا يقل أهمية في ساحة الذكاء الاصطناعي وهو تايوان.
رحلة تايوان في مجال الذكاء الاصطناعي: السياق التاريخي والمعالم التكنولوجية
يمكن تقسيم رحلة الذكاء الاصطناعي إلى ثلاث مراحل محورية. بدأت المرحلة الأولى في الخمسينيات مع عمل ألَن تورينغ الرائد حول “الآلات الحاسوبية والذكاء”، الذي وضع الأساس للذكاء العام الاصطناعي. تميزت هذه المرحلة بأهداف طموحة لتكرار الذكاء البشري، ولكن بحلول الثمانينيات، تحول التركيز إلى أهداف أكثر قابلية للتحقيق، عُرفت بالذكاء الاصطناعي الضعيف أو الأنظمة الخبيرة.
بدأت مشاركة تايوان في الذكاء الاصطناعي تكتسب الزخم خلال المرحلة الثالثة في التسعينيات، والتي تميزت بظهور الشبكات العصبية وتقنيات التعلم الآلي. كان أبرز إنجاز في عام 2016 عندما هزم AlphaGo، الذكاء الاصطناعي الذي طورته شركة DeepMind، بطل لعبة Go الكوري الجنوبي لي سيدول. هذا الإنجاز أبرز أهمية القدرة الحاسوبية الكبيرة، ومجموعات البيانات الضخمة، والخوارزميات المتقدمة—وهي مجالات تتفوق فيها تايوان، لا سيما في تصنيع أشباه الموصلات.
المبادرات الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي في تايوان
في عام 2017، حددت تايوان الذكاء الاصطناعي كمنطقة حيوية للنمو المستقبلي، مطلقة “استراتيجية الذكاء الاصطناعي الكبرى لدولة صغيرة”. هذه المبادرة التي تُدار بواسطة وزارة العلوم والتكنولوجيا (والتي أعيد تسميتها إلى المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا في عام 2022)، هدفت إلى بناء نظام بيئي قوي للذكاء الاصطناعي باستثمار قدره 517.5 مليون دولار. ركزت الاستراتيجية على إنشاء مراكز البحوث والتطوير، تعزيز قدرات تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي، وتنمية المواهب من خلال المنافسات والبرامج التعليمية.
مكملةً لذلك، سعت خطة عمل الذكاء الاصطناعي تايوان 1.0 (2018-2021) إلى دمج الذكاء الاصطناعي في الصناعات القائمة، ودعم الأنشطة البحثية والتطويرية، وإنشاء بنية تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي مثل سلسلة الحواسيب الفائقة TWIWANIA ونظام الكشف عن الأشياء في الوقت الحقيقي YOLOv4.
الإطار التنظيمي والاعتبارات الأخلاقية
تعترف تايوان بأن التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي يحمل فرصًا ومخاطر. في عام 2019، بدأت اليوان التشريعي في صياغة قانون أساسي لتطوير الذكاء الاصطناعي، يهدف إلى موازنة الترويج للصناعة مع حماية الخصوصية. تطور هذا الجهد إلى قانون الذكاء الاصطناعي الأساسي، الذي يركز على الامتثال، الاختبار، ومعايير التحقق.
استجابةً للمخاطر الفورية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصدرت اليوان التنفيذي مسودة إرشادات لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي من قبل الوكالات الحكومية في عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، تركز خطة عمل الذكاء الاصطناعي تايوان 2.0 (2023-2026) على المعايير الأخلاقية والحوكمة، متوافقةً مع المعايير الدولية مثل قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي.
الخلاصة: الاستراتيجية الاقتصادية الثنائية لتايوان
تعد صناعة أشباه الموصلات القوية في تايوان أساسًا صلبًا لطموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي. كما أشار بول ليو، رئيس مجلس التنمية الوطنية، أصبح الذكاء الاصطناعي الركيزة الاقتصادية الثانية لتايوان بعد أشباه الموصلات. مع التركيز الاستراتيجي على تطوير أجهزة الذكاء الاصطناعي وزيادة حصتها في السوق العالمية، تستعد تايوان لتصبح لاعبًا مهمًا في سلسلة التوريد العالمية للذكاء الاصطناعي.
تؤكد الجهود المبذولة لخفض انبعاثات الكربون وتعزيز الطاقة المتجددة على التزام تايوان بالتنمية المستدامة. تعكس مبادرات مثل نظام شهادات الطاقة المتجددة في تايوان (T-REC) والتقدم في إنتاج “الهيدروجين الفيروزي” نهجًا شاملاً لدمج الذكاء الاصطناعي في الاستراتيجيات الاقتصادية والبيئية الأوسع.
باختصار، فإن الاستثمارات الاستراتيجية لتايوان في الذكاء الاصطناعي، إلى جانب إطار تنظيمي قوي واعتبارات أخلاقية، تضعها كلاعب قوي في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي. ومع استمرار تايوان في استغلال نقاط قوتها ومعالجة نقاط ضعفها، فهي في طريقها لخلق مستقبل مزدهر مدفوعًا بالذكاء الاصطناعي.