ترتبط البيانات الضخمة ارتباطاً وثيقاً بالتقنيات الرقمية الأخرى مثل الحوسبة السحابية (Cloud Computing) بجزئية تخزين ومعالجة تلك البيانات، لامتيازها عن الحواسيب العادية بقدرتها على تحمّل البيانات الكبيرة. كما وترتبط البيانات الضخمة بالذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) باعتبارها مصدراً مهماً في تعلم الآلة (Machine learning) للعمل بفعالية أكبر وتمكينها للعمل بفعالية أكبر عن طريق انواع تعلم الالة المختلفة (Supervised, Unsupervised and reinforced learning) وتستخدم لبناء نماذج التعلم العميق (Deep learning)، كما يتم الاستفادة من التحول الرقمي والبيانات الضخمة في ذكاء الأعمال (Business intelligence) من أجل بناء طرق رقمية وأساليب جديدة لإدارة كافة الأعمال.
ومما لا شك فيه أن هنالك تحديات كبيرة تواجه الاستفادة المُثلى من البيانات الضخمة، منها قلة المهارات والكفاءات المتخصصة والمدرَّبة في علم البيانات والقادرة على التعامل معها بكفاءة، وضعف البنى التحتية والأنظمة القادرة على استقبال وإدارة وتحليل هذه البيانات بالوقت والكفاءة المطلوبين. ومما لا شك فيه أن الأمن والمحافظة على الخصوصية تُشكّل جزءاً من أهم التحديات التي تواجه البيانات الضخمة، إذ يتطلب الأمر من المؤسسات والشركات المحافظة على سرية البيانات وتخزينها بأماكن يصعب الوصول إليها واختراقها، لضمان استمرار الثقة بين المؤسسة وعملائها بكافة القطاعات. وفي هذا السياق تبرز أهميّة حوكمة البيانات كواحدةٍ من الخطوات المهمة التي يجب أن تقوم بها كل مؤسسة سواء أكانت صغيرة أم كبيرة؛ إذ إنّ هذه الخطوة تنظّم التعامل مع البيانات من ناحية سريتها وخصوصيتها ومن ناحية جودتها وسهولة استخدامها، فالحوكمة بشكل عام تهدف إلى إنتاج بيانات عالية الجودة، ونظيفة، ودقيقة، وآمنة ، وحديثة، ما يجعلها الخطوة الأولى التي يجب اتّباعها لإدارة البيانات.
ولغايات تحقيق الأهداف المرجوّة من البيانات الضخمة، وتماشياً مع التقدم العلمي والتقني، فإنّ من المسؤوليات التي تقع على عاتق الجامعات والكليات التقنية أن تعملَ على بناء القدرات في مجال البيانات الضخمة من حيث تطوير التخصصات الحالية أو استحداث تخصصات جديدة متعلقة بعلم وإدارة البيانات، ومن هذه التخصصات على سبيل الذكر وليس الحصر: إدارة البيانات الضخمة، تحليل البيانات، تعلم الآلة (Machine learning)، عالم البيانات ((Data scientist، مهندس البيانات، مطور البيانات الكبيرة ، استشاري بيانات، مطور أعمال أنظمة ذكاء اصطناعي، والتخصصات ذات العلاقة، مما سيؤدي إلى بناء القدرات في هذا المجال الحيوي الهام؛ حيث إن الطلب المحلي والعالمي سيزداد بشكل هائل على هذه التخصصات وبالتالي خلق فرص جديدة للعمل. كما أن ثمّة فرصة للتعاون بين الجامعات ومراكز المعرفة والبحوث المتخصصة للاستفادة من تحليلات البيانات المختلفة في البحوث العلمية في مختلف المجالات، فضلا عن وجود فرصة لبناء شركات تقنية ريادية متخصصة بالمعرفة لكي تساعد الحكومات والشركات والقطاعات المختلفة في تحليل محتوياتها الرقمية الغنية بكافة القطاعات للوصول لاستراتيجيات جديدة وإضافة قيم نوعية وتحسين الخدمات بكافة المجالات كالصناعة والتجارة والطاقة والتعليم والصحة، بالإضافة إلى وجود فرص حقيقية لتأسيس شركات ريادية تقدّم الاستشارات للمستثمرين في عدد متنوّع من المجالات بناء على البيانات الضخمة، بحيث يتم تحديد مجالات الاستثمار الأكثر جدوى وأهمية اقتصاديةً بناء على تحليل البيانات الذي يمكن أن تقوم به هذه الشركات الريادية الناشئة، ومن ثمّ تقدّمه كخدمات استشارية للمستثمرين في المجالات المختلفة.
ومجمل القول أنّ البيانات الضخمة أصبحت مصدر قوّة رئيسياً في أي مجتمع قائم على المعرفة، وأنّ من شأنها أن تسهم على نحو كبير في دعم المساعي الحثيثة نحو التنمية الشاملة المستدامة، واتّخاذ القرارات المبنيّة على فهم وتحليل حقيقيين للواقع، وهو ما لا يتأتى إلا بالوعي الكافي بأهمية هذه البيانات واستغلال كافة المصادر المتاحة وتبني الاقتصاد المعرفي الحقيقي المخفي تحتها.
بقلم المهندس: بلال خالد الحفناوي
متخصص بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي