في خطوة جريئة تشير إلى تحول كبير في مشهد خدمة العملاء المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة التكنولوجيا الإيرلندية “إنتركم” رسميًا عن الانتقال من استخدام ChatGPT الخاص بـ OpenAI إلى الشراكة مع “أنثروبيك”، وهي منافس صاعد في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا القرار يبرز التزام “إنتركم” بتحسين كفاءة وأداء عمليات خدمة العملاء لديها، ويؤكد على سعي الشركة للبقاء في طليعة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن تكون لهذه الخطوة آثار بعيدة المدى، ليس فقط لـ “إنتركم”، بل ولصناعة خدمة العملاء ككل، مع تزايد توجه الشركات نحو استخدام الذكاء الاصطناعي لتبسيط العمليات وتحسين تجربة العملاء.
هذا التوجه الاستراتيجي مدعوم باستثمار ضخم بقيمة 100 مليون دولار في قدرات الذكاء الاصطناعي وتوظيف 75 متخصصًا جديدًا في تعلم الآلة، مما يعزز طموح “إنتركم” في قيادة ثورة الذكاء الاصطناعي في مجال خدمة العملاء. ومع اعتماد “إنتركم” على تكنولوجيا “كلود” من “أنثروبيك” الآن في تشغيل روبوت خدمة العملاء Fin 2، تستعد الشركة لإعادة تحديد المعايير في هذا المجال، مع الاستفادة من الميزات المتقدمة والقدرات التي يوفرها “كلود” مقارنةً بـ ChatGPT.
لماذا اختارت “إنتركم” “كلود” من “أنثروبيك” بدلاً من ChatGPT
قرار “إنتركم” بالتخلي عن ChatGPT جاء نتيجة عملية تقييم داخلية شاملة، وليس بسبب أي قصور محدد في نموذج OpenAI. وفقًا لما ذكره الشريك المؤسس والمسؤول الاستراتيجي للشركة “ديس ترينور”، فقد أجرت الشركة ما أسمته “اختبار التحمل” – وهو تقييم صارم لأداء نماذج الذكاء الاصطناعي تحت سيناريوهات متعددة. وقد تفوق “كلود”، نموذج الذكاء الاصطناعي لـ “أنثروبيك”، على ChatGPT بشكل مستمر، لا سيما في معالجة استفسارات العملاء المعقدة.
إحدى الميزات البارزة التي يتمتع بها “كلود” هي قدرته على معالجة 200,000 رمز في محادثة واحدة، وهو ما يتفوق بشكل كبير على قدرة ChatGPT التي لا تتجاوز 32,000 رمز. هذه النافذة الموسعة للسياق تتيح لـ “كلود” الحفاظ على ترابط الحوار عبر محادثات أطول، مما يجعله أكثر ملاءمة لمعالجة الاستفسارات العميلية المعقدة التي تتطلب سياق ممتد وتفاصيل دقيقة. بالنسبة لـ “إنتركم”، كان هذا بمثابة نقطة تحول، حيث أن خدمة العملاء غالبًا ما تتضمن معالجة قضايا متعددة الأبعاد تمتد عبر عدة تفاعلات.
بالإضافة إلى ذلك، أثبتت قدرات الرد الفوري لـ “كلود”، وخاصة مع نسخته المحسنة “Claude ۳ هايكو”، أهميتها في دعم العملاء المباشر. أفاد المستخدمون بتحقيق أوقات استجابة أسرع؛ مما انعكس مباشرة في خدمة أكثر فعالية وزيادة في رضا العملاء. مع هذه المزايا، يتوقع أن تكون تجربة خدمة العملاء المدفوعة بالذكاء الاصطناعي لدى “إنتركم” أكثر سلاسة واستجابة من ذي قبل.
استثمار بـ 100 مليون دولار و75 وظيفة جديدة في الذكاء الاصطناعي
استثمار “إنتركم” في الذكاء الاصطناعي لا يتوقف عند مجرد تبديل الشركاء. في مايو، أعلن الرئيس التنفيذي “إيوان مكابي” أن الشركة ستستثمر 100 مليون دولار إضافية في قدراتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، جزء من هذا الاستثمار يشمل توسيع قسم تعلم الآلة لديها. يعكس هذا الاستثمار طموح الشركة في استخدام قوة الذكاء الاصطناعي لتحويل عمليات خدمة العملاء الخاصة بها. كما سيؤدي ضخ رأس المال هذا إلى خلق 75 وظيفة جديدة، خاصة في الأدوار المتعلقة بتطوير ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في أنظمة خدمة العملاء.
يأتي قرار تعزيز قسم الذكاء الاصطناعي وسط استمرار “إنتركم” في رؤية نمو كبير في حجم عمليات خدمة العملاء. منذ دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في عملياتها، استطاعت الشركة مضاعفة عدد الاستفسارات التي تتعامل معها دون الحاجة إلى زيادة حجم موظفيها. هذا يسلط الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تقليل التكاليف التشغيلية مع تحسين كفاءة الخدمة.
إلى جانب معالجة المزيد من الاستفسارات، حقق روبوت خدمة العملاء Fin 2 الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي معدل حل استفسارات يبلغ 51% ودقة مذهلة وصلت إلى 99.9% في الإجابات، مما يظهر فعالية الذكاء الاصطناعي في إدارة التفاعلات مع العملاء. هذا المستوى من الأداء كان من المستحيل تحقيقه بواسطة الموظفين البشر فقط، مما يبرر بشكل أكبر استثمار “إنتركم” الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
“كلود” من “أنثروبيك”: مقاربة أكثر أمانًا وشفافية في الذكاء الاصطناعي
أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت “إنتركم” لاختيار “كلود” من “أنثروبيك” على حساب ChatGPT، هو المقاربة المتميزة التي تتبعها “أنثروبيك” في تطوير الذكاء الاصطناعي. تأسست “أنثروبيك” على أيدي عدد من التنفيذيين السابقين في OpenAI، وتتبنى ما يسمى “بالذكاء الاصطناعي الدستوري”، والذي يعطي الأولوية للسلامة والشفافية والاعتبارات الأخلاقية في تصميم الخوارزميات. تتوافق هذه الفلسفة بشكل جيد مع هدف “إنتركم” في تقديم حلول لخدمة العملاء تكون فعّالة وموثوقة وإنسانية.
يتميز “كلود” بقدرته على التواصل بتعاطف؛ وهو ما يميزه عن النماذج الأخرى للذكاء الاصطناعي. يُظهر روبوت Fin 2 الخاص بـ “إنتركم”، والمعتمد على “كلود”، براعته في فهم مشاعر العملاء وتوليد ردود تكون عملية ومتوافقة مع الاحتياجات النفسية للعملاء. هذه القدرة على الجمع بين الكفاءة والتعاطف أصبحت أكثر أهمية مع تزايد تبني الشركات لحلول خدمة العملاء المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. حيث لم يعد العملاء يبحثون فقط عن إجابات سريعة، بل أيضًا عن تفاعلات تبدو مخصصة ومراعية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بيانات تدريب “كلود” أكثر حداثة مقارنة بـ ChatGPT، حيث يمتد معرفته إلى أغسطس 2023. هذا يمنح “كلود” ميزة في التعامل مع الاستفسارات التي تتعلق بالأحداث أو المعلومات الأخيرة، مما يجعله أكثر قدرة على تلبية احتياجات العملاء المعاصرة بفعالية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء: اتجاهات وتبعات
تأتي شراكة “إنتركم” مع “أنثروبيك” في إطار اتجاه أوسع في صناعة التكنولوجيا، حيث تتزايد الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين تفاعل العملاء وتعزيز الكفاءة التشغيلية. مع قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي مثل “كلود” على التعامل مع أعباء عمل مئات من الوكلاء البشر، فإن إمكانيات توفير التكاليف هائلة. شركات أخرى مثل “كلارنا” أبلغت عن نجاحات مشابهة باستخدام الروبوتات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، ومن الواضح أن هذا الاتجاه سيتسارع خلال السنوات المقبلة.
مع ذلك، يثير هذا التحول نحو الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء أسئلة هامة حول دور الوكلاء البشريين. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي التعامل بسهولة مع الاستفسارات الروتينية، ستظل هناك حاجة دائما للإشراف البشري في الحالات الأكثر تعقيداً أو حساسية. وستحتاج شركات مثل “إنتركم” إلى إيجاد التوازن الصحيح بين الكفاءة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي والتعاطف البشري لضمان حصول العملاء على أفضل خدمة ممكنة.
ومع تطور الذكاء الاصطناعي، من المرجح أن تشتد المنافسة بين النماذج المختلفة، مثل ChatGPT و”كلود”. كل نموذج يقدم نقاط قوة خاصة به، وستحتاج الشركات إلى تقييم دقيق لتحديد أي حل ذكي اصطناعي يتناسب بشكل أفضل مع احتياجاتها. بالنسبة لـ”إنتركم”، كان الاختيار واضحاً لمصلحة “كلود” بفضل قدرته على إدارة السياق بشكل أفضل، وسرعته، وتواصله العاطفي، لكن قد تجد شركات أخرى نماذج مختلفة تناسب احتياجاتها بشكل أفضل.
إن قرار “إنتركم” بالشراكة مع “أنثروبيك” والتحول من ChatGPT إلى “كلود” يمثل لحظة مفصلية في تطور خدمة العملاء المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. بفضل القدرات المتقدمة لـ”كلود”، بما في ذلك نافذة السياق الموسعة، أوقات الاستجابة الأسرع، والتواصل المتعاطف، تستعد “إنتركم” لتقديم تجربة ممتازة للعملاء تجمع بين الكفاءة والشخصنة. هذه الشراكة، المدعومة باستثمار قدره 100 مليون دولار في الذكاء الاصطناعي وتوسعة فريق تعلم الآلة بالشركة، تؤكد التزام “إنتركم” بالبقاء في طليعة الابتكار في هذا المجال.
ومع استمرار صناعة التكنولوجيا في تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمثل التحول الاستراتيجي لـ”إنتركم” دراسة حالة ثمينة حول كيفية استفادة الشركات من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحويل عملياتها.