جدول المحتويات
تسير المملكة العربية السعودية بخطى سريعة نحو بناء بنية تحتية متطورة تدعم اقتصاد الذكاء الاصطناعي، في إطار تحول شامل يهدف إلى توطين التقنيات المتقدمة وتعزيز السيادة الرقمية. في هذا السياق، أعلنت شركة الاتصالات السعودية (STC) عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة هيوماين (Humain) لتأسيس مشروع مشترك يهدف إلى تطوير وتشغيل مراكز بيانات متخصصة في الذكاء الاصطناعي داخل المملكة.
يمثل هذا المشروع خطوة استراتيجية هامة في مسار التحول الرقمي السعودي، حيث يسعى إلى إنشاء بنية تحتية قادرة على استيعاب الأحمال الضخمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومعالجة البيانات، والحوسبة عالية الأداء. هذه العناصر باتت تشكل العمود الفقري للاقتصادات الرقمية الحديثة.
مراكز بيانات مصممة لعصر الذكاء الاصطناعي
وفقًا للإعلانات الرسمية، سيُدار المشروع من خلال شركة سنتر 3 (Center3) التابعة لـ STC، والمتخصصة في مراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية. يعتمد المشروع على تطوير مراكز بيانات بطاقة تشغيلية إجمالية تصل إلى 1 جيجاوات، مع قدرة تشغيلية أولية لا تقل عن 250 ميجاوات. هذا الحجم يضع المشروع ضمن فئة المراكز فائقة السعة المصممة خصيصًا لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
لا يقتصر دور هذه المراكز على خدمة شركات التقنية التقليدية، بل تُعد ضرورية لتشغيل نماذج التعلم العميق، وتحليل البيانات الضخمة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي تتطلب قدرات حوسبة وطاقة وتبريد تفوق بكثير احتياجات مراكز البيانات التقليدية.
لماذا يُعد هذا المشروع محوريًا؟
تتجاوز أهمية المشروع مجرد الاستثمار في البنية التحتية، ليصبح جزءًا من استراتيجية وطنية لتوطين الذكاء الاصطناعي. مع تصاعد المنافسة العالمية على استقطاب الاستثمارات التقنية، لم يعد امتلاك النماذج أو البرمجيات كافيًا، بل أصبحت القدرة على تشغيل هذه التقنيات محليًا وبكفاءة عالية عاملًا حاسمًا.
من خلال هذا المشروع، تسعى السعودية إلى:
- تقليل الاعتماد على مراكز بيانات خارجية.
- جذب الشركات العالمية العاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
- تمكين الشركات المحلية والناشئة من الوصول إلى بنية تحتية متقدمة.
- دعم البحث والتطوير في التقنيات العميقة.
تكامل الأدوار بين STC وهيوماين
يعتمد المشروع على تكامل واضح في الأدوار. STC، عبر ذراعها Center3، تمتلك خبرة تشغيلية واسعة في شبكات الاتصالات ومراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية، بينما تمثل هيوماين – التابعة لصندوق الاستثمارات العامة – ركيزة أساسية في بناء منظومة وطنية متكاملة للذكاء الاصطناعي.
هذا التكامل يعكس توجهًا استراتيجيًا نحو ربط البنية التحتية بالاستثمار السيادي، مما يضمن استدامة المشروع وقدرته على التوسع مستقبلًا، تماشيًا مع الطلب المتزايد على خدمات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحكومية والخاصة.
أثر اقتصادي يتجاوز قطاع التقنية
رغم أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن أثره المتوقع يتجاوز قطاع الاتصالات أو مراكز البيانات. فوجود بنية تحتية بهذا الحجم يفتح الباب أمام:
- استقطاب شركات عالمية لإنشاء مراكز أبحاث وتشغيل داخل المملكة.
- دعم قطاعات مثل الصحة، والطاقة، والتمويل، والصناعة الذكية.
- خلق فرص عمل نوعية في مجالات الهندسة، والبيانات، والأمن السيبراني.
- تعزيز موقع السعودية كمركز إقليمي للحوسبة والذكاء الاصطناعي.
كما يُتوقع أن يسهم المشروع في رفع تنافسية السوق السعودي، وتمكينه من الدخول بقوة في سباق استضافة أحمال الذكاء الاصطناعي إقليميًا.
خطوة في مسار رؤية 2030
يأتي هذا المشروع متسقًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تضع التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي في صلب خطط التنويع الاقتصادي. فبناء مراكز بيانات متخصصة للذكاء الاصطناعي لا يُعد استثمارًا تقنيًا فحسب، بل استثمارًا في مستقبل الاقتصاد الوطني.
ومع تزايد الطلب العالمي على قدرات الحوسبة، تبدو المملكة ماضية في ترسيخ موقعها كلاعب رئيسي في منظومة الذكاء الاصطناعي، ليس كمستهلك للتقنية، بل كمُشغّل ومُطوّر لها.
خلاصة
يمثل مشروع STC وهيوماين لتطوير مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي نقطة تحوّل في مسار البنية التحتية الرقمية بالسعودية. فهو لا يكتفي بتلبية احتياجات الحاضر، بل يؤسس لقدرة تشغيلية طويلة الأمد تضع المملكة في قلب التحولات العالمية للذكاء الاصطناعي.