جدول المحتويات
في عالم تسيطر فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) على مختلف الصناعات، يبرز حقل “نصر” البحري – المكتشف قبل أكثر من خمسة عقود – كتجسيد لكيفية تطور قطاع الطاقة التقليدي بفضل التقدم التكنولوجي. يُدار الحقل من قبل شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وهو يشهد حالياً تحولاً رقمياً يجعله في طليعة إنتاج الطاقة المدعوم بالذكاء الاصطناعي. ويعد حقل “نصر” أول حقل بحري في العالم يعتمد على أنظمة قائمة على الذكاء الاصطناعي مثل نظام “روبوويل” RoboWell، مما يسهم في إعادة تعريف كفاءة العمليات والسلامة والاستدامة. يسلط هذا المقال الضوء على كيفية إسهام الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل هذا الاكتشاف الإماراتي الذي يعود إلى 53 عامًا، وما يعنيه ذلك لمستقبل الطاقة.
حقل “نصر” البحري: إرث من الابتكار
الموقع والأهمية التاريخية
يقع حقل “نصر” البحري على بُعد 130 كيلومترًا شمال غربي أبوظبي، ويُعد ركيزة أساسية للبنية التحتية للطاقة في دولة الإمارات منذ اكتشافه في عام 1971. وكان الحقل في بداياته ينتج فقط حوالي 6,000 برميل يوميًا، ولكنه تطور ليصبح أحد الأصول الحيوية لشركة “أدنوك”، حيث يسهم بشكل كبير في تعزيز مكانة الشركة كواحدة من أكبر منتجي الطاقة في العالم والتي تحقق أدنى مستويات الكربون. على مر السنين، خضع الحقل للعديد من مراحل التطوير، حتى بلغ قدرته الإنتاجية الحالية التي تصل إلى حوالي 65,000 برميل يوميًا.
التحول التكنولوجي
تتمثل أحدث قفزة في تاريخ حقل “نصر” في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها النظام المبتكر “روبوويل”. تم تطوير هذا النظام بالتعاون مع “إيه آي كيو” AIQ (مشروع مشترك بين شركة “أدنوك” و”مجموعة 42″). ويُعتبر “روبوويل” أول تطبيق بحري لأنظمة التحكم الذاتية في الآبار باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذه الابتكارات لا تركز فقط على تحسين الإنتاج، بل تمثل تحولاً جوهرياً في كيفية إدارة ومراقبة وتحسين الحقول النفطية.
نظام “روبوويل”: عمليات تشغيل ذاتية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي
خوارزميات السحابة تعزز الكفاءة
في قلب التحول التكنولوجي يقبع نظام “روبوويل”، وهو نظام إدارة الآبار مدفوع بالذكاء الاصطناعي يعتمد على خوارزميات سحابية لتنفيذ عمليات التشغيل بشكل ذاتي. وبفضل قدرته على التكيف الفوري مع الظروف المتغيرة، يقلل “روبوويل” من التدخل البشري ويعزز من سلامة العمليات وكفاءتها. يقوم هذا النظام السحابي بمعالجة كميات ضخمة من البيانات، مما يتيح له تحسين عمليات استخراج النفط وتقليل فترات التوقف بشكل كبير، وكذلك الحد من التأثير البيئي للعمليات.
قدرات التكيف الذاتي لتعزيز السلامة
في السابق، كان يتطلب إدارة الحقول البحرية تواجدًا بشريًا كبيرًا في الموقع، مما يعرض العاملين لخطر البيئات الخطرة. يغير “روبوويل” هذا التوجه عن طريق تقديم عمليات تشغيل عن بُعد وذاتية. تكمن قوة النظام في قدرته على ضبط ظروف الآبار دون الحاجة إلى تدخل بشري، مما يرفع من مستوى السلامة والكفاءة في نفس الوقت. بالإضافة إلى ذلك، يسهم النظام في تقليل حاجة الأفراد للسفر إلى الحقل، مما يساهم في خفض انبعاثات الكربون المرتبطة بعمليات النقل واللوجستيات.
الكفاءة والاستدامة والتوسع المستقبلي
زيادة الكفاءة: ارتفاع الإنتاجية بنسبة 5%
أظهرت الاختبارات الأولية لتطبيق “روبوويل” على 10 آبار بحقل “نصر” نتائج واعدة، حيث حقق النظام زيادة في الكفاءة التشغيلية بنسبة 5%، مع تحسين الإجراءات وتقليل فترات التوقف. كما ساعد “روبوويل” في تحسين عمليات رفع الغاز، ما أدى إلى خفض استهلاك الغاز المستخدم لرفع الإنتاج بنسبة 30%، وهو عنصر أساسي في الحفاظ على كفاءة عمليات إنتاج النفط.
الاستدامة: التوافق مع الأهداف البيئية العالمية
لا تقتصر جهود “أدنوك” في استخدام الذكاء الاصطناعي على تحقيق فوائد تشغيلية فحسب، بل تمثل أيضًا خطوة استراتيجية نحو الاستدامة. تسعى الشركة إلى تقليص انبعاثات عملياتها بنسبة 50% بحلول عام 2030، ويعد “روبوويل” محوريًا في تحقيق هذا الهدف. من خلال تحسين استهلاك الطاقة وتقليل الحاجة إلى التدخلات البشرية الميدانية، يسهم “روبوويل” في تحقيق الأهداف البيئية لشركة “أدنوك”، مما يثبت أن الابتكار التكنولوجي يمكن أن يتماشى مع الاستدامة البيئية.
التوسع: 300 بئر بحلول عام 2024
يمثل النشر الحالي لنظام “روبوويل” عبر عشرة آبار البداية فقط. فقد وضعت “أدنوك” خططاً طموحة لتوسيع استخدام هذه التكنولوجيا لتشمل أكثر من 300 بئر بحلول نهاية عام 2024. لن يعزز هذا التوسع من قدرات الشركة التشغيلية فحسب، بل سيعزز مكانتها كقائدة عالمية في حلول الطاقة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. تجسد قابلية التوسع والقدرة على التكيف التي توفرها “روبوويل” إمكانيات ثورية لقطاع النفط والغاز، سواء في العمليات البحرية أو البرية.
الأهداف الاستراتيجية والقيادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي
طموحات “أدنوك” في مجال الذكاء الاصطناعي
تسعى “أدنوك” إلى أن تصبح الشركة الأكثر اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي في العالم بمجال الطاقة. يمثل دمج تقنيات مثل “روبوويل” جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إدخال الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب المؤسسة، بدءًا من غرف التحكم التشغيلية وصولاً إلى اتخاذ القرارات على المستويات التنفيذية. هذه الخطوة ليست مجرد تبني لتكنولوجيا جديدة، ولكنها تبرز تحولًا جوهريًا في كيفية تعامل “أدنوك” مع إنتاج الطاقة في عالم رقمي متسارع.
التداعيات العالمية
باعتباره أول حقل بحري في العالم يعتمد الذكاء الاصطناعي للتحكم بالآبار بشكل ذاتي، يمهد حقل “نصر” الطريق لباقي الصناعة. من المرجح أن يلهم نجاح “روبوويل” شركات الطاقة الأخرى لاعتماد تقنيات مماثلة، ما يدفع نحو تحول عالمي نحو إنتاج طاقة أكثر كفاءة وأمانًا واستدامة بيئيًا. كما تمثل قيادة “أدنوك” في مجال دمج الذكاء الاصطناعي نموذجاً لكيف يمكن للصناعات التقليدية أن تتكيف لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
الخلاصة: نموذج مستقبلي لقطاع الطاقة
يُعتبر حقل “نصر” البحري قصة تطور، من اكتشافه في عام 1971 وصولاً إلى تحوله الحالي كأصل مدعوم بالذكاء الاصطناعي. من خلال دمج نظام “روبوويل”، لا تعزز “أدنوك” الكفاءة التشغيلية ومستويات الأمن في حقل “نصر” فحسب، بل تحقق أيضًا الأهداف العالمية المتعلقة بالاستدامة. ومع مواجهة قطاع الطاقة لضغوط متزايدة لتقليل الانبعاثات وتحسين الكفاءة، يُعد حقل “نصر” نموذجاً لكيفية تأثير الذكاء الاصطناعي في تحويل الصناعات التقليدية. ومع الخطط لتوسيع “روبوويل” ليشمل مئات الآبار بحلول عام 2024، تقود “أدنوك” الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة وتقدماً من الناحية التكنولوجية في إنتاج الطاقة. ومع استمرار الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الصناعات، يظل حقل “نصر” البحري مثالاً مشرقاً لما يحمله المستقبل لقطاع الطاقة العالمي.
أهم النقاط
- تحول مدفوع بالذكاء الاصطناعي: يشهد حقل “نصر” البحري تغييرات هامة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل نظام “روبوويل”، مما يجعله أول حقل بحري عالمي يستخدم هذه الأنظمة.
- الكفاءة والاستدامة: حقق “روبوويل” زيادة في الكفاءة التشغيلية بنسبة 5% وقلل استهلاك الغاز لرفع الإنتاج بنسبة 30%، بما يتماشى مع هدف “أدنوك” لخفض الانبعاثات بنسبة 50% بحلول عام 2030.
- قابلية التوسع: تخطط “أدنوك” لتوسيع تطبيق “روبوويل” ليشمل أكثر من 300 بئر بحلول نهاية عام 2024، مما يظهر قدرة النظام على التكيف والتوسع سواء في العمليات البحرية أو البرية.
- القيادة العالمية: تسعى “أدنوك” لأن تصبح الشركة الأكثر اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي عالميًا في مجال الطاقة، مما يضع معيارًا جديدًا لكيفية تأثير الذكاء الاصطناعي في قطاع النفط والغاز.
من خلال الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، لا يحافظ حقل “نصر” البحري على مواكبته للتطورات الحديثة فحسب، بل يقود الطريق نحو مستقبل أكثر كفاءة، أمانًا، واستدامة في إنتاج الطاقة.