أثار التكامل السريع للذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية نقاشًا ملحًا حول الشفافية والأخلاقيات والتحيّز. في المملكة المتحدة، أطلق النشطاء تحذيرات بشأن أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة من قبل الحكومة، مدّعين أنها تديم العنصرية والتحيز المتأصلين. دفعت هذه الجدل الحكومة إلى الالتزام بنشر هذه الأدوات في سجل عام، مما يمثل انتصارًا هامًا لأنصار الشفافية. هذه الخطوة ضرورية مع استعداد القطاع العام لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع. ولكن هل ستكون كافية لمعالجة المخاوف المتعلقة بالتحيّز والتمييز؟ يستكشف هذا المقال التعقيدات المرتبطة بنشر الذكاء الاصطناعي في الحكومة، متناولاً الفوائد المحتملة والمخاطر المرتبطة بهذه الابتكارات.
1. صعود الذكاء الاصطناعي في الحكومة: الوعد والتحديات
يحمل استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية إمكانيات هائلة لتحسين الكفاءة وعمليات اتخاذ القرار. بدءًا من كشف الزيجات المزيفة وصولاً إلى تحديد الاحتيال في دعاوى الاستحقاقات، تم نشر أدوات الذكاء الاصطناعي عبر العديد من الإدارات. ومع ذلك، تأتي هذه التطورات مع تحديات كبيرة. ويقول النقاد إنه بدون الشفافية والإشراف المناسبين، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تفاقم التحيّزات الموجودة أو تخلق أشكالًا جديدة من التمييز. النداء لإنشاء سجل عام لهذه الأدوات يهدف إلى معالجة هذه المخاوف من خلال تسليط الضوء على كيفية عمل الخوارزميات، وضمان التزامها بمبادئ العدالة والعدالة.
أحداث مؤخرّة مثل تعليق خوارزمية وزارة الداخلية المتهمة بالتحيز العنصري في طلبات التأشيرات، تبرز الحاجة الملحة للمساءلة. تقارير تفيد بأن هذه الخوارزمية كانت تُعيّن درجات مخاطر بناءً على الجنسية، مما أثّر بشكل غير متناسب على مقدمي الطلبات من بعض الدول. مثل هذه الحالات تبرز المخاطر المرتبطة بعمليات اتخاذ القرار الخوارزمي، خاصة عند نشرها على نطاق واسع بدون الضمانات الكافية.
في ردٍّ على ذلك، اتخذت الحكومة البريطانية خطوات لفرض الالتزام بمعيار الشفافية الخوارزمي. هذا التدبير يهدف إلى ضمان توثيق أدوات الذكاء الاصطناعي التي تؤثر في القرارات العامة وتوضيح أغراضها. مع ذلك، لا يُنشر حاليًا سوى عدد قليل من السجلات، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الجهود.
ومع استمرار دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة، تواجه الحكومة ضغوطًا متزايدة لضمان استخدام هذه التقنيات بمسؤولية. وهذا لا يشمل الإعلان عن تفاصيل أدوات الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يتطلب أيضًا إجراء تقييمات شاملة لتخفيف الأضرار المحتملة. ومع قدرة الذكاء الاصطناعي على تحويل الخدمات العامة، فإن الحفاظ على ثقة الجمهور يعتبر أمرًا حيويًا.
2. التحديات القانونية وانتصار النشطاء
حركة دفع الشفافية في استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الهيئات الحكومية قد زادت من خلال التحديات القانونية والدعوة من قبل منظمات الحقوق المدنية. بشكل خاص، لعب كل من المجلس المشترك لرعاية المهاجرين ومنظمة حقوق الرقمية فوكسغلوف أدوارًا محورية في تحدي السرية المحيطة بأدوات الذكاء الاصطناعي. وتُوجت جهودهم بتعليق خوارزمية التأشيرات المثيرة للجدل، التي تعتبر انتصارًا حاسمًا لأولئك الذين يناضلون من أجل ممارسات ذكاء اصطناعي عادلة وغير تمييزية.
أنصار الشفافية يطالبون باستمرار بزيادة الرقابة والشفافية في نشر الذكاء الاصطناعي. يؤكدون أنه بدون توجيهات واضحة وآليات للمساءلة، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تديم التحيزات النظامية، مما يؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات المهمشة. التزام الحكومة مؤخرًا بإنشاء سجل عام يُعتَبَر خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن النشطاء يشيرون إلى ضرورة القيام بالمزيد.
مشروع القانون العام (PLP)، وهي مؤسسة خيرية للوصول إلى العدالة، كانت في طليعة هذه الجهود. سارة سيلمان، زميلة أبحاث أولى، شددت على أهمية الشفافية، قائلة إنه يجب على الهيئات العامة نشر معلومات عن أدوات الذكاء الاصطناعي لضمان قانونيتها وإنصافها. سجل مشروع القانون العام الخاص بأدوات الذكاء الاصطناعي في الحكومة يُعتبر موردًا حيويًا في تتبع استخدام وتأثير هذه التقنيات.
ورغم هذه النجاحات، لا تزال هناك تحديات. على سبيل المثال، لا يزال قسم العمل والمعاشات التقاعدية (DWP) يواجه التدقيق بشأن استخدامه للذكاء الاصطناعي في اكتشاف الاحتيال في مطالبات الائتمان الشامل. في حين أن القسم يدعي إجراء تحليلات للإنصاف، فإنه لم يقدم بعد تفاصيل شاملة، مبررًا ذلك بمخاوف من الاستخدام السيئ المحتمل من قبل مرتكبي الاحتيال.
3. الأبعاد الأخلاقية والحاجة إلى الإصلاح
تداعيات الذكاء الاصطناعي في الحكومة لها أبعاد أخلاقية عميقة. مع ازدياد تسخير هذه التقنيات في التأثير على القرارات العامة، يصبح ضمان خلوها من التحيز والتمييز أمرًا ضروريًا. أكد مركز أخلاقيات البيانات والابتكار، الذي أصبح الآن وحدة تبني التكنولوجيا المسؤولة، على العديد من الحالات التي عززت فيها أدوات الذكاء الاصطناعي التحيزات التاريخية أو خلقت أشكالاً جديدة من عدم الإنصاف.
لمعالجة هذه القضايا، طوّر المركز معيارًا لتسجيل الشفافية الخوارزمية، حاثًا الهيئات العامة على توثيق النماذج الخوارزمية التي تؤثر بشكل كبير على تفاعلات الجمهور. مع ذلك، انعدام التطبيق الواسع لهذا المعيار يشير إلى الحاجة لآليات تنفيذ أقوى.
يرى الخبراء أن نشر الذكاء الاصطناعي الأخلاقي يتطلب نهجًا متعدد الجوانب. ويتضمن ذلك الشفافية بالإضافة إلى المراقبة المستمرة وتقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحديد ومعالجة التحيزات المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، إشراك مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة في تطوير ونشر أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في ضمان انعكاسها مجموعة واسعة من وجهات النظر والاحتياجات.
التزام الحكومة بتوسيع معيار الشفافية عبر القطاع العام هو خطوة إيجابية. ومع ذلك، تحقيق نشر حقيقي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي سيتطلب جهودًا مستمرة وتعاونًا بين الحكومة والمجتمع المدني ومطوري التكنولوجيا.
4. الطريق إلى الأمام: التوازن بين الابتكار والمساءلة
مع استمرار الحكومة البريطانية في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، يظل التوازن بين الابتكار والمساءلة أمرًا حاسمًا. وبينما توفر الذكاء الاصطناعي فرصًا لتحسين الخدمات العامة، فإنه يطرح مخاطر كبيرة إذا لم يتم تطبيقه بعناية وبُعد نظر.
تقديم سجل عام لأدوات الذكاء الاصطناعي يُعَد تطورًا واعدًا، يشير إلى استعداد لمواجهة القلق بشأن التحيز والتمييز. مع ذلك، نجاح هذه المبادرة سيتوقف على تنفيذها، بما في ذلك مدى التزام الأقسام بمعايير الإبلاغ وشفافية المعلومات المقدمة.
بناء الثقة العامة في الذكاء الاصطناعي يتطلب أكثر من مجرد الشفافية؛ يتطلب التزاماً بممارسات أخلاقية وعادلة. وهذا يشمل ضمان أنظمة الذكاء الاصطناعي تخضع لاختبارات وتقييمات صارمة، مع آليات لتصحيح أي تحيزات مكتشفة.
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، سيكون دور الحكومة في تعزيز استخدامه المسؤول حاسمًا. من خلال إعلاء الشفافية والمساءلة والشمولية، يمكن للمملكة المتحدة استخدام فوائد الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على الوقاية من مخاطره المحتملة.
النقاش المحيط باستخدام الذكاء الاصطناعي في حكومة المملكة المتحدة يؤكد على تعقيدات دمج التقنيات المتقدمة في الخدمات العامة. ورغم أن خطوة نشر أدوات الذكاء الاصطناعي في سجل عام تُعتَبَر تقدمًا، إلا أنها مجرد بداية لجهد أوسع لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل أخلاقي وعادل. ومع تزايد اعتماد القطاع العام على الذكاء الاصطناعي، ستصبح الشفافية والمساءلة أمورًا أساسية في بناء الثقة العامة وضمان أن تخدم ابتكارات الذكاء الاصطناعي الصالح العام. ومن خلال مواصلة التحديات القانونية، وإصلاح السياسات، يمكن لأصحاب المصلحة التعاون لتحقيق مستقبلٍ يُحسّن الذكاء الاصطناعي فيه الخدمات العامة دون المساس بالعدالة والحق.
المصدر: الجارديان